سارع الأهالي والأطفال إلى تعبئة الأوعية بمياه الأمطار التي تساقطت مؤخرا على غزة
سارع الأهالي والأطفال إلى تعبئة الأوعية بمياه الأمطار التي تساقطت مؤخرا على غزة

"الحمد لله أنه سقانا من مياه المطر، الله يعلم بمعاناتنا فأنزل علينا المطر.. إنها مياه حلوة يا جماعة".. كلمات قالها طفل من غزة تعبيرا عن فرحته بعد طول حرمان من مياه الشرب نتيجة تضييق إسرائيل الحصار على القطاع ما أدى إلى نقص حاد في كل مستلزمات الحياة.

"غيث السماء" نزل على سكان غزة، بعد قطع إمدادات الماء منذ بدء الحرب التي شنتها إسرائيل على حركة حماس في السابع من أكتوبر ردا على الهجوم الدموي الذي نفذته الأخيرة، سارع الأهالي والأطفال إلى تعبئة الأوعية للارتواء بمياه عذبة أصبحت حلماً لهم في ظل عدم توفّر سوى المياه المالحة.. وبالكاد.

لكن السؤال هل فعلاً مياه الأمطار صالحة للشرب والاستخدام أم أنها تلوثت قبل وصولها إلى الأرض بغبار القذائف والحرائق والركام، فأصبحت خطراً صحياً يهدد سكان القطاع؟

معاناة سكان غزة مع التلوث البيئي ليست جديدة لكنها تفاقمت بشكل كبير بسبب الحرب الدائرة، فقبل ذلك حذّر مركز "الميزان لحقوق الإنسان" من مخاطر استمرار تردي الوضع البيئي في القطاع "الذي يفتقر لمكونات البيئة النظيفة والصحية".

وقال المركز في بيان، في شهر يونيو "تتواصل معاناة سكان قطاع غزة في الحصول على مياه مأمونة وكافية، حيث ينخفض استهلاك الفرد الفلسطيني عن الحد الأدنى بحسب معايير منظمة الصحة العالمية البالغ 100 لتر في اليوم، جراء القيود الإسرائيلية".

وبلغ معدل الاستهلاك اليومي للفرد في قطاع غزة 82.7 لترا، وإذا ما أخذ في الاعتبار نسبة التلوث العالية للمياه في قطاع غزة، واحتساب كميات المياه الصالحة للاستخدام الآدمي من الكميات المتاحة، فإن حصة الفرد من المياه المتوافقة مع المعايير الدولية تنخفض، كما ذكر المركز، إلى 21.3 لتراً فقط في اليوم.

وبعد هطول الأمطار، فإن معاناة سكان غزة ستزداد، بحسب ما توقعت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، بسبب "تعطل مضخات الصرف الصحي وشح المياه ما أدى إلى زيادة انتشار الأمراض المنقولة عبر الماء والالتهابات البكتيرية".

وكانت منظمة الصحة العالمية ذكرت الأسبوع الماضي أنه تم تسجيل نحو 34 ألف حالة إسهال منذ منتصف أكتوبر غالبيتها بين الأطفال تحت سن 5 سنوات. ويزيد ذلك المعدل بمقدار 16 مرة عما كان يُسجل شهرياً من قبل.

خطورة كبيرة

"أصبحت المتساقطات في جميع أنحاء العالم خطيرة نتيجة التلوث البيئي العالمي"، كما يقول رئيس حزب البيئة العالمي، الدكتور دومط كامل، وذلك "بسبب وجود مواد كيماوية وذرات بلاستيكية في الهواء، تحتوي على كميات مرتفعة من البلاستيكيات ومن ذرات البلاستيك والمواد الأخرى، التي تتسرب إلى المياه الجوفية. أما تبادل إطلاق النار بين حماس وإسرائيل فأدى إلى زيادة كثافة الملوثات الكيميائية والمعدنية للهواء لاسيما من المعادن الثقيلة كالرصاص، والكادميوم".

يشدد كامل في حديث لموقع "الحرة" على أنه "في الحروب لا انتصار لأي طرف من الناحية البيئية، وسواء في غزة أو إسرائيل فإن السكان يتنشقون الهواء الملوث بفعل القذائف والصواريخ، وسيزداد تلوث المتساقطات بفعل هذا الهواء بالتالي سسبب أضراراً بيئية جسيمة على المدى القصير والبعيد مهددة حياة الناس والكائنات الحية".

إذ ستؤدي كما يقول "إلى انتشار الأمراض كالإسهال والكوليرا والتهاب الكبد وحتى شلل الأطفال وكذلك إلى تلف الأعضاء وصولاً إلى الوفاة".

وكانت "سلطة جودة البيئة" أشارت إلى أن القصف الإسرائيلي لقطاع غزة أدى إلى "إنتاج كميات هائلة من مخلفات الدمار والركام المختلطة بكميات كبيرة من النفايات الخطرة، لافتة إلى "تدمير البنية التحتية بما فيها شبكات ومحطات الصرف الصحي ونظم إدارة النفايات والمرافق الخاصة بالمياه ومرافق التزود بالطاقة بجميع أنواعها".

وشرحت في بيان أصدرته في الثامن من الشهر الجاري، بمناسبة اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب أن "إلقاء القذائف والمتفجرات يؤدي إلى إحداث خلل كبير بالتركيبة الجيولوجية التي قد تفاقم من سوء الوضع فيما يتعلق بالمياه الجوفية في قطاع غزة وما ينتج عنه من إنتاج كميات كبيرة من نفايات الهدم واختلاطها بالمواد الخطرة الناتجة عن القذائف".

لا تكمن الخطورة فقط في تجميع المتساقطات وشربها في غزة مباشرة خلال الحرب،" بحسب ما يؤكد رئيس جمعية "فكر وإنسان"، الدكتور حسن حجازي، ويشرح "تسحب مياه الأمطار المخلّفات الكيميائية من القنابل لاسيما الفسفورية ‏إلى المجاري المائية القريبة، وتستقر، في رواسب الأنهار ‏والأحواض المائية المحيطة، وتتسرب هذه الرواسب إلى التربة وتتركز فيها مما يؤدى لاحقاً إلى تجمعها في المزروعات وانتقالها إلى الناس مسببة الأمراض الخطيرة ولا سيما السرطان".

ويشدد حجازي في حديث لموقع "الحرة" على أنه "لا يمكن التخلص من الأثر السلبي للقنابل المحرمة دولياً خلال سنوات قليلة، فهو يمتد لسنوات طويلة وكذلك خطورته على صحة السكان وحياتهم". 

وسبق أن نفت المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، الرائدة إيلا، في تصريحات لموقع "الحرة" استخدام أسلحة محرمة دولياً.

أضرار بالغة

خلال اجتماع لجنة الممثلين الدائمين لبرنامج الأمم المتحدة المنعقدة بتاريخ 31 أكتوبر في مقر الأمم المتحدة في نيروبي، قدّم السفير الفلسطيني والمراقب الدائم لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة حازم شبات بياناً أوضح فيه أن النفايات الناتجة عن المخلفات الطبية في غزة لا تزال دون معالجة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة. 

كما تناول شبات ما أشارت إليه التقارير الدولية حول "حجم المتفجرات التي ألقاها الجيش الإسرائيلي وأثرها التدميري على كل جوانب الحياة في قطاع غزة وما تناولته حول احتمالية استخدام الفسفور الأبيض الذي يعد سلاحاً محظورا دولياً بسبب أضراره البالغة على حياة المدنيين والبيئة الفلسطينية على المديين القريب والبعيد".

وأشار أيضاً إلى مقررات الأمم المتحدة التي تؤكد على حق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، وعلى أهمية حماية البيئة في المناطق المتأثرة بالنزاع المسلح، ومبدأ إعلان ريو حول البيئة والتنمية لعام 1992.

"ولمواصلة الأنشطة المنقذة للحياة في غزة"، تلقت الأونروا الأربعاء نحو 23,027 لتر من الوقود، إلا أن هذه الكمية تشكل فقط 9 في المئة فقط من احتياجها اليومي، كما قال مدير شؤون وكالة الأونروا في غزة، توماس وايت.

وذكر وايت على موقع "إكس" أن السلطات الإسرائيلية قيّدت استخدام الوقود ليقتصر فقط على نقل المساعدات من رفح، بحيث لا يستخدم للمستشفيات أو لتوفير المياه.

وأضاف المسؤول الأممي أن نفاد الوقود أدى إلى توقف جميع مضخات الصرف الصحي الثلاث في رفح، ومحطة تحلية المياه في خانيونس التي توفر المياه لمئات آلاف الأشخاص، وقال إن جميع الآبار في رفح، وهي المصدر الوحيد للماء في المدينة، قد توقفت عن ضخ المياه بسبب نفاد الوقود. 

من جانبه شدد المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني على أنه "بنهاية اليوم لن يتمكن نحو 70 في المئة من سكان غزة من الحصول على المياه النظيفة". وأضاف عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" أن "الحصول على الوقود للشاحنات فقط، لن ينقذ حياة الناس بعد الآن، وأن الانتظار أكثر من ذلك سيؤدي إلى وقوع خسارة في الأرواح".


واستنكر لازاريني "استمرار استخدام الوقود كسلاح للحرب"، وقال إن الأونروا ناشدت على مر الأسابيع الخمسة الماضية، الحصول على الوقود لدعم العملية الإنسانية في غزة. وذكر أن شح الوقود يشل عمل الأونروا وتوصيل المساعدات.

وقال إن الأونروا تحتاج إلى 160 ألف لتر من الوقود يومياً للعمليات الإنسانية الأساسية، ودعا السلطات الإسرائيلية إلى السماح فوراً بتوصيل الكمية الضرورية من الوقود وفق ما يحتمه القانون الدولي الإنساني.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

أحياء بأكملها سويت بالأرض في غزة
أحياء بأكملها سويت بالأرض في غزة

تتفاقم معاناة سكان قطاع غزة، وتتدهور الأوضاع المعيشية، نتيجة الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر، وتوقفت مؤقتا، الجمعة، بفضل هدنة إنسانية منحت السكان فرصة للتنفس، بعد أن استمر القصف الإسرائيلي المتواصل لأسابيع طويلة، وفقا لتقرير مطول نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".

ويتمثل واقع الحياة اليومية الآن بالنضال من أجل العثور على الغذاء والماء والدواء، ومع ندرة الوقود، تشعل غالبية الأسر أخشاب من الأبواب وأشياء أخرى لطهي ما تيسر.

ويسرد التقرير معاناة العديد من الأسر النازحة من شمال قطاع غزة إلى جنوبه هربا من المعارك، حيث أماكن الإيواء مكتظة، ومقومات الحياة معدومة، ويقضي كثيرون أوقاتا طويلة في الطوابير لتعبئة مياه الشرب، هذا إذا حالفهم الحظ بذلك.

ولم يعد هناك أي غاز أو وقود آخر في غزة، وفقا لوكالات الأمم المتحدة العاملة هناك، لذلك يقوم بعض الناس ببناء أفران مؤقتة من الطين أو المعدن للطهي.

كما نفد الحطب والفحم إلى حد كبير، لذا تحرق الأسر أبوابا خشبية وإطارات نوافذ وعلب كرتون وأعشاب يابسة، والبعض ببساطة لا يطبخون، ويأكلون البصل والباذنجان النيئ بدلا من ذلك على سبيل المثال.

وقال نظمي موافي (23 عاما) للصحيفة: "لقد عدنا إلى العصر الحجري".

وردا على الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر، فرضت إسرائيل حصارا كاملا، وقطعت إمدادات المياه والغذاء والكهرباء والوقود والدواء، لـ"القضاء على حماس"، كما تقول.

كما شنت آلاف الغارات الجوية على القطاع وأرسلت قوات برية لمحاولة القضاء على حماس.

وتقول إسرائيل إن غاراتها الجوية تستهدف البنية التحتية العسكرية لحماس ومستودعات الأسلحة في غزة. 

ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه يشن ضربات دقيقة تستهدف قادة المتشددين أو مواقع العمليات، وإنه لا يستهدف المدنيين، لكنه أيضا يتحدث عن زرع المسلحين في المناطق المدنية في جميع أنحاء قطاع غزة، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس".

وبدأ سريان هدنة مؤقتة، هي الأولى منذ بدء الحرب قبل سبعة أسابيع، الجمعة، وكجزء من اتفاق لتبادل المختطفين والسجناء، عبرت عشرات الشاحنات المحملة بالمياه وغيرها من المساعدات الإنسانية الحيوية إلى غزة، ولكن هذا غير كاف لسد الاحتياجات الهائلة وفقا لمسؤولين.

ويلفت التقرير إلى الاكتظاظ الموجود في أماكن الإيواء مثل المخيمات والشقق والمدارس والمستشفيات، حيث حشر النازحون معا في مساحات تتقلص باستمرار، ويكافحون كل يوم لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وأصبح البقاء على قيد الحياة مهمة محفوفة بالمخاطر.

وكانت المياه المعدنية المنقولة بالشاحنات إلى القطاع في قوافل المساعدات كافية لـ 4 في المئة فقط من السكان، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.

ولا تزال بعض المياه المحلاة توزع في الجنوب، لكن الشمال لم يعد به مصادر مياه صالحة للشرب، وفقا للأمم المتحدة.

ويعتمد الأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى المياه المعدنية والمياه المحلاة النادرة على المياه قليلة الملوحة من الآبار، والتي قالت الأمم المتحدة إنها غير آمنة للاستهلاك البشري.

كما أن الدقيق ينفد أيضا،  وقال برنامج الأغذية العالمي إن الوكالات الإنسانية تمكنت من توصيل الخبز والتونة المعلبة والتمر إلى نحو ربع السكان منذ السابع من أكتوبر، لكن التوزيع يعوقه القتال والحصار.

وحذر برنامج الأغذية العالمي من أن 10% فقط من احتياجات غزة من الغذاء دخلت إلى القطاع منذ بدء الحرب، مما يؤدي إلى "فجوة غذائية هائلة وجوع واسع النطاق".

وقالت علياء زكي، المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، هذا الشهر، إن "دقيق القمح ومنتجات الألبان والأجبان والبيض والمياه المعدنية نفدت تماما من السوق".

كما أدى الانهيار الفعلي لنظام الصرف الصحي وتشريد حوالي 1.7 مليون من سكان غزة، الذين تدفقوا إلى المخيمات وتكدسوا في منازل أقاربهم، إلى أزمة نظافة وأمراض تحذر منظمة الصحة العالمية من أنها قد تتفاقم كثيرا.

وينتشر الإسهال والجرب والقمل بين السكان، ويصيب الأطفال الأصغر سنا بشكل خاص، وفقا للتقرير.

ولفتت زكي، إلى أنه "حتى قبل 7 أكتوبر، كان 70 في المئة من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية بشكل أو بآخر، وكان القطاع يعاني من أعلى معدلات الفقر والبطالة في العالم".

الغالبية العظمى من المتاجر مغلقة الآن أو فارغة، ومعظم الناس يشترون ويبيعون البضائع بشكل غير رسمي، وفقا للأمم المتحدة.

ومع انقطاع الكهرباء وإغلاق معظم البنوك، فإن القلة التي لديها أموال لا تستطيع الحصول عليها. وحتى لو استطاعوا ذلك، فليس هناك الكثير ليشتروه، وفقا للتقرير.

آية إبراهيم (43 عاما)، تعيش مع أطفالها في مدرسة تديرها الأمم المتحدة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تقول للشبكة "الحمامات هنا سيئة للغاية، نحن جميعا محصورون لأنه ليس لدينا مياه على الإطلاق". ينام الرجال والفتيان، بمن فيهم ابناها المراهقان، بالقرب من المراحيض، والنساء في فصل دراسي في الطابق العلوي.

وقالت إن فريقا أمميا وزع مجموعة واحدة من الفوط الصحية على 30 امرأة يتشاركن معها الفصل الدراسي.

وقالت أمل، وهي امرأة أخرى في نفس الملجأ، إنها كانت يائسة للغاية بسبب عدم توفر الفوط الصحية لدرجة أنها بدأت بتناول حبوب منع الحمل لوقف الدورة الشهرية تماما. ويعاني الكثيرون من الجوع والإسهال وآلام المعدة، وخاصة لدى الأطفال.

فرصة للتنفس

وتمنح الهدنة سكان غزة فرصة للتنفس، وتكشف عن حجم الدمار، وفقا لتقرير مطول لشبكة "سي أن أن".

وذكر التقرير معاناة من نوع آخر، وتتعلق بجثث القتلى، وقال إنه "بينما كانت الجرافات تشق طريقها عبر أنقاض بلدة القرارة جنوب قطاع غزة، صباح الأحد، كانت مجموعة من الناس تراقب بقلق، وكانوا يأملون أن تتيح الهدنة الوقت الكافي لانتشال جثث أحبائهم من تحت الأنقاض، كي يتمكنوا من دفنها".

ومنذ نحو سبعة أسابيع، كان معظم الناس في قطاع غزة يحاولون فقط البقاء على قيد الحياة، مع التركيز على الأساسيات: العثور على المأوى، والفرار من القتال، والحصول على الغذاء والماء.

وتقع بلدة القرارة في جنوب محافظة خان يونس، وهي المنطقة التي شهدت زيادة ملحوظة في الأضرار التي لحقت بالمباني في الأسبوعين الماضيين، وفقا لتحليل بيانات عبر الأقمار الاصطناعية.

وأظهرت لقطات لشبكة سي أن أن من مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، آلاف الأشخاص يتدفقون إلى الشوارع ويذهبون إلى السوق، في محاولة لشراء الضروريات التي كانت بعيدة عن متناولهم لعدة أسابيع ولكنها أصبحت الآن متاحة مرة أخرى، ولو مؤقتا فقط.

وتحدث سكان من دير البلح في السوق للشبكة عن الارتياح الذي شعروا به عندما بدأت الهدنة.

وقالت امرأة تدعى أم إيهاب، الأحد، إنها كانت المرة الأولى التي خرجت فيها مع عائلتها، وتابعت "كنا خائفين دائما من الخروج والتعرض للقصف بالصواريخ والغارات الجوية".

وأضافت: "لكن منذ اليوم الأول للهدنة المؤقتة، تمكنا من الذهاب لشراء ما نحتاج إليه بأمان. لمدة 47 يوما، كنا نعيش في حالة حرب وخوف. أطفالنا كانوا مرعوبين".

وقالت أم محمد، وهي من سكان غزة، لسي أن أن إن الأسعار ارتفعت بشكل كبير خلال الحرب.

وتابعت: "بدا كل شيء باهظ الثمن، ليس كما كان قبل (الحرب)"، مضيفة: "نحمد الله أننا على الأقل نستطيع أن نأتي إلى السوق بأمان".

وكان السوق مهجورا طوال الأسابيع السبعة الماضية، مع إغلاق معظم المحلات التجارية وخوف الناس من الخروج. يوم الأحد، كان الشارع يضج بالحركة والنشاط، حيث كان المتسوقون يهرعون للتخزين، والأطفال يركضون بين الأكشاك حاملين الخضار، والقمامة تتراكم على جوانب الشوارع.

وقال أبو عدي، وهو من السكان المحليين، "نأمل أن يكون وقف إطلاق النار دائما وأن تنسحب (القوات الإسرائيلية) من الشمال، حتى يتمكن جميع الذين نزحوا قسرا من العودة إلى ديارهم، حتى لو عادوا إلى الخيام".

ومع ذلك، بالنسبة للكثيرين في غزة، جلبت الهدنة وجع القلب بعدما تمكنوا من رؤية حجم الدمار الهائل لأول مرة. وقد أدت أسابيع من القصف الإسرائيلي إلى تسوية أحياء بأكملها بالأرض.

ومن بين نحو 2.4 مليون شخص يعيشون في غزة، هناك 1.7 مليون نازح داخليا، وفقا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

والوضع أكثر خطورة في الأجزاء الشمالية من غزة، حيث بقي بعض المدنيين على الرغم من الأوامر المتكررة التي أصدرها الجيش الإسرائيلي بالإخلاء إلى الجزء الجنوبي من قطاع غزة.

وكجزء من اتفاق الهدنة، يسمح الآن بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

ويوم السبت، قامت 61 شاحنة بتوصيل الغذاء والمياه والإمدادات الطبية الطارئة إلى شمال غزة، بحسب الأمم المتحدة. وكانت هذه أكبر شحنة تصل إلى الشمال منذ 7 أكتوبر، ولكنها ليست كافية لتلبية احتياجات الناس.

وأعلنت الأونروا، الأحد، أن المساعدات التي تصل إلى قطاع غزة لا تزال غير كافية على الإطلاق.

وقال المستشار الإعلامي للأونروا، عدنان أبو حسنة، إن المساعدات التي تصل في الوقت الحالي هي مجرد قطرة في محيط من الاحتياجات الإنسانية.

وأضاف: "نحتاج إلى 200 شاحنة مساعدات يوميا بشكل متواصل لمدة شهرين على الأقل لتلبية الاحتياجات. إننا بحاجة إلى المزيد من الوقود حتى نتمكن من تقديم الخدمات وتشغيل باقي القطاعات التي ندعمها، مثل تحلية المياه والصرف الصحي والمستشفيات والمخابز وخدمات الأونروا الأخرى والاتصالات".

وقبل الحرب، كانت نحو 455 شاحنة تدخل غزة يوميا محملة بإمدادات ومساعدات، وفقا للأمم المتحدة.

واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم مباغت شنته الحركة على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية لقطاع غزة، أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وتم اختطاف 239 شخصا، وفق السلطات الإسرائيلية.

وردت إسرائيل بقصف جوي وبحري وبري مكثف على القطاع المحاصر، أتبعته بعملية برية، توقفت مع بدء الهدنة، الجمعة،  وبلغت حصيلة القتلى في غزة 14854 شخصا، بينهم 6150 طفلا وأكثر من 4 آلاف امرأة، فضلا عن إصابة نحو 36 ألف شخص، فيما بلغ عدد المفقودين قرابة 7 آلاف مفقود، بحسب السلطات التابعة لحماس.

وقد بدأ تطبيق هدنة مؤقتة لمدة أربعة أيام، الجمعة، تقوم خلالها إسرائيل بالإفراج عن مسجونين فلسطينيين، في مقابل إطلاق سراح مختطفين لدى حماس في غزة، وقد تمت 3 عمليات تبادل بنجاح.