مسيحيون في غزة بعد تعرض كنيستهم لضربة
مسيحيون في غزة بعد تعرض كنيستهم لضربة

مع استمرار الحرب في غزة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، تعاني الأقلية المسيحية الصغيرة في القطاع من أوضاع صعبة أسوة ببقية السكان، حيث لجأ معظمهم إلى كنيستين بحثا عن ملاذ آمن لأطفالهم، بحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.

وكنيسة القديس برفيريوس هي أقدم كنيسة في قطاع غزة لا تزال مفتوحة، وهي مبنية فوق ضريح القديس برفيريوس الناسك والأسقف الغزي الذي عاش في القرن الخامس الميلادي، وتقع بجانب مسجد في البلدة القديمة في غزة.

ويتراوح إجمالي عدد المسيحيين في غزة ما بين 800 إلى 1000 شخص فقط، وجميعهم تقريبًا يختبئون الآن في سانت بورفيريوس وكنيسة العائلة المقدسة القريبة، وهي جزء من آخر أبرشية كاثوليكية متبقية في مدينة غزة.

وقال رام طرزي، الذي كان يدير مركزاً ثقافياً أرثوذكسياً قبل الحرب، والذي دمرته غارة جوية إسرائيلية: "تستضيف هاتان الكنيستان 340 عائلة، أي ما يمثل جميع المسيحيين تقريباً في غزة".

وفر حوالي 20 من عائلة طرزي، وهي عشيرة كبيرة من المسيحيين الفلسطينيين، من منازلهم في مدينة غزة بحثًا عن الأمان النسبي في كنسية القديس بورفيريوس.

وقال طرزي في اتصال هاتفي من داخل الكنيسة: "غادرنا.. تحت القصف. منازلنا تقع في 3 مبان بجانب بعضها البعض، لكن بعد أكثر من شهر هنا، لسنا متأكدين مما إذا كانت قد نجت من الدمار والقصف".

وتنام العائلات التي تعيش في مجمع سانت بورفيريوس على فرشات موضوعة على أرضيات المباني، التي كانت بمثابة مكاتب للموظفين ومساكن للكهنة.

وتوفر الألواح الشمسية كمية صغيرة من الطاقة، تكفي فقط لشحن الهواتف، بينما يلعب الأطفال الذين يشعرون بالملل داخل ساحات المجمع المكشوفة.

ومثلهم كمثل 2.3 مليون فلسطيني آخرين في القطاع، يعاني المسيحيون هناك أوضاعا إنسانية صعبة، إذ لم يتبق سوى القليل من الطعام في الكنائس، ولا يوجد شيء تقريبًا يمكن شراؤه من المتاجر القريبة.

وأوضح طرزي أن مجمع كنيسة القديس بورفيريوس لا يزال لديه كمية قليلة من الوقود، يتم استخدامها بشكل مقتصد لضخ مياه الشرب.

وتعتبر إسرائيل مدينة غزة مركز الثقل بالنسبة لحركة حماس، المصنفة إرهابية بالولايات المتحدة ودول أخرى، والتي تعهدت حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، بـ"القضاء عليها" بعد أن شن مسلحوها هجمات غير مسبوقة في 7 أكتوبر، أدت إلى مقتل حوالي 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، بحسب السلطات الإسرائيلية.

في المقابل، قال مسؤولو الصحة في غزة، إن أكثر من 13 ألف شخص قتلوا، منذ أن شنت إسرائيل حملتها العسكرية، أغلبهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال.

أمان مفقود

وكانت غارة جوية إسرائيلية في 19 أكتوبر، قد دمرت أحد المباني التي تؤوي عائلات مسيحية في مجمع القديس بورفيريوس، مما أسفر عن مقتل 17 شخصا، بينهم 4 ضحايا من أقارب طرزي، وقد جرى دفنهم جميعا داخل الكنيسة.

وقال رامز، الذي فقد أطفاله الثلاثة (سهيل وجوليا ومجد) في تصريحات إعلامية: "لقد جئنا إلى هنا (الكنسية) بحثًا عن الأمان في بيت الرب".

وتابع الرجل الذي خسر 7 أفراد آخرين من عائلته وأقاربه في القصف: "لا يوجد مسلحون أو أسلحة هنا".

وقال الجيش الإسرائيلي إن الكنيسة "لم تكن الهدف المقصود"، موضحا أن الغاية كانت "ضرب مركز قيادة قريب لحماس"؛ لافتا إلى "وجود مراجعة داخلية بشأن هذه الواقعة".

وعن تاريخهم في هذه البقعة الصغيرة، قال متري الراهب، القس اللوثري ورئيس ومؤسس جامعة دار الكلمة في بيت لحم، إن وجود المسيحيين في غزة "قديم قدم المسيحية"، مضيفا: "لقد ذكرت غزة 8 مرات في العهد الجديد".

لكن حتى قبل الحرب، كان عدد السكان المسيحيين في القطاع، الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترا مربعا، يتضاءل. فقد كان هناك 1750 مسيحياً في قطاع غزة عام 1997، بحسب الراهب، وهو رقم انخفض إلى النصف منذ ذلك الحين.

وسعى الكثيرون إلى الحصول على فرص للهروب من الحياة المقيدة في المنطقة الفقيرة، التي تعاني حصارا وفقرا مدقعا منذ سيطرة حركة حماس على السلطة عام 2007.

وقال الراهب: "إن ثلث الذين غادروا انتقلوا إلى بيت لحم، مستفيدين من التصاريح الإسرائيلية للذهاب إلى هناك لقضاء عيد الميلاد قبل الاستقرار فيها، بينما هاجر آخرون إلى خارج البلاد".

ويخشى الراهب من أن إسرائيل "تتبنى استراتيجية الأرض المحروقة" في غزة، "حتى لا تكون صالحة للسكن مرة أخرى"، وفق الصحيفة البريطانية.

وانتقل مئات الآلاف من سكان شمالي قطاع غزة إلى جنوبه، بعد طلب إسرائيلي بالإخلاء "حفاظاً على سلامة المدنيين"، لكن العديد من المسيحيين النازحين يخشون من التوجه نحو الجنوب.

وفي هذا الصدد، قال القس السابق للكنيسة المعمدانية في غزة، حنا ماهر، إن زوجته جانيت وعائلتها لا يزالون في المجمع، مضيفا: "على الأقل يوجد في مدينة غزة كنيسة تمنحهم سقفا فوق رؤوسهم".

وتابع: "لقد حاول الناس المغادرة أكثر من مرة، بيد أن بعضهم علق في الاشتباكات ومنهم من قضى نحبه".

وقال ماهر إن معلمة موسيقى، تدعى إلهام فرح، والتي كانت تبلغ عن العمر 84 عاماً، لجأت إلى كنيسة العائلة المقدسة بعد صدور أوامر الإجلاء من الجيش الإسرائيلي.

وأوضح أن تلك السيدة الطاعنة في السن أصيبت، الأحد، برصاصة في ساقها عندما خرجت لتتأكد من أن منزلها لا يزال قائماً، حيث لفظت أنفاسها الأخيرة في الشارع.

وأكد القس أن "أحدا لم يستطع التدخل لإسعافها وإنقاذها، لأن الأوضاع كانت خطيرة للغاية".

ولفت ماهر إلى أنه كان في زيارته لبلده الأم، مصر، عندما اندلعت الحرب في غزة، وبالتالي لم يستطع العودة إلى القطاع للاجتماع بأسرته، مشيرا إلى أنه يقضي معظم يومه في محاولة الاتصال بزوجته، مردفا: "في بعض الأحيان يمر يومين قبل أن أتمكن من سماع صوتها".

ومع انخفاض درجات الحرارة، يشعر ماهر بالقلق من عدم وجود مكان لشراء ملابس دافئة لأطفاله، في حين تراود طرزي هواجس مخيفة بشأن نفاد الطعام في الكنسية قبل نهاية الأسبوع المقبل.

وختم بالقول: "ليس لدينا مياه شرب نظيفة جداً، ومخزون الأدوية قليل.. كل ما نريده هو أن تضع الحرب أوزارها بسرعة".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص
المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق قدر أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص

يسابق الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق، الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن، بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

منحت الحكومة العراقية فريق بعثة التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل داعش في العراق "يونيتاد" حتى الـ17 من سبتمبر لإنهاء التحقيق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وتضيف الصحيفة أن هذه القرار سيحد من تنظيم قضايا جنائية ضد عناصر داعش، على اعتبار أن هناك عشرات المقابر الجماعية التي لم يتم الانتهاء من فحصها وتحتوي على أدلة حاسمة ضد عناصر التنظيم المتورطين.

ويسعى العراق جاهدا لطي صفحة الفترة المروعة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مساحات واسعة من أراضيه، حيث يتجه بسرعة نحو إغلاق المخيمات التي تأوي الإيزيديين النازحين وتنفيذ أحكام الإعدام بحق مرتكبي جرائم داعش وإنهاء مهمة "يونيتاد".

لكن بالنسبة لعائلات ما يقرب من 2700 إيزيدي مفقود، فإن هذا القرار مفجع، لإن أي عظم يكتشف يمكن أن يساعد في حل لغز مصير أحبائهم الذين اختفوا خلال سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014.

تقول شيرين خُديدة، وهي امرأة إيزيدية أُسرت هي وعائلتها على يد داعش في عام 2014: "أنتظر بقايا عائلتي، وأعتقد أنهم هناك".

كشف تحرير المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في عام 2017 عن فظائع لم تكن معروفة من قبل.

وبعد فترة وجيزة، وبطلب من الحكومة العراقية، انشأت الأمم المتحدة فريقا من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين.

لكن، في سبتمبر 2023، أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاما واحدا فقط لإنهاء المهمة.

وتعد حفرة "علو عنتر" قرب تلعفر شمالي العراق، حيث ألقى داعش مئات الجثث، واحدة من 68 مقبرة جماعية ساعد فريق "يونيتاد" في التنقيب عنها، وربما يكون الأخير،، بحسب الصحيفة.

اعتبارا من يوليو، حددت السلطات العراقية 93 مقبرة جماعية يعتقد أنها تحتوي على رفات ضحايا إيزيديين، لا تزال 32 منها لم تفتح بعد في منطقتي سنجار والبعاج.

ومن بين آلاف الإيزيديين الذين لم يتم العثور عليهم، تم استخراج رفات أقل من 700 شخص، ولكن تم تحديد هوية 243 جثة فقط وإعادتها إلى عائلاتهم.

يقول رئيس وحدة العلوم الجنائية في يونيتاد آلان روبنسون إن "العمل في علو عنتر صعبا ومعقدا، لكن النتائج التي توصلنا إليها كانت مهمة".

ويضيف روبنسون أن بعض الرفات تم دفنها في أكياس للجثث، وكانت الجثث داخلها مرتدية بدلات برتقالية شوهدت في مقاطع فيديو دعائية لداعش".

كذلك وجدت رفات أخرى وبجانبها فرش الأسنان وأدوية لعلاج ضغط الدم يعتقد أن الضحايا أخذوها معهم أثناء هروبهم.

وتشير الصحيفة إلى أن العديد من الضحايا كانت أيديهم مقيدة خلف ظهورهم، والبعض الآخر كان معصوب العينين، فيما أظهرت النتائج الأولية أن البعض تعرض لإطلاق نار، بينما يبدو أن آخرين ماتوا بعد دفعهم في الحفرة.

ويلفت روبنسون إلى أن الظروف البيئية المعقدة في العراق جعلت بعض الجثث تكون أشبه بالمحنطة بدلا من أن تتحلل مما تسبب بانبعاث روائح كريهة للغاية منها.

ويتابع روبنسون: "بعد مرور ما بين سبع وعشر سنوات على وفاتهم، الرائحة لا تزال قوية، لذا يمكنك أن تتخيل كيف كانت الرائحة بعد وقت قريب من حصول الوفاة".

وفقا للصحيفة فإن قرار الحكومة العراقية بإنهاء مهمة "يونيتاد" يعد جزءا مساعيها لتأكيد سيادتها الوطنية في وقت لا تزال فيه القوات الأميركية متمركزة في البلاد والعديد من السياسيين العراقيين متحالفين بشكل وثيق مع إيران، وهي خصم للولايات المتحدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحثة العراقية في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة صنبر القول إن إنهاء اعتماد العراق على مؤسسات الأمم المتحدة قد يكون جزءا من محاولات البلاد لتغيير صورتها.

في مايو، دعت بغداد إلى إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أُنشئت بعد الغزو الأميركي في عام 2003 للمساعدة في تطوير مؤسسات الحكومة وإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن تنتهي هذه المهمة بحلول ديسمبر 2025.

وتضيف صنبر أن "العراق يريد أن يصور نفسه كدولة ذات سيادة ما بعد الصراع"، وبعض الفصائل الداخلية ترى في وجود الأمم المتحدة "تدخلا دوليا غير مبرر في الشؤون العراقية."

وتشير صنبر إلى أن تحفظات الحكومة العراقية على عمل يونيتاد يتعلق بالأساس في أن المؤسسة الأممية رفضت تسليم الأدلة التي جمعتها إلى السلطات العراقية، رغم أنها كانت تشاركها مع دول أخرى تحاكم مقاتلي داعش.

وتفضل الأمم المتحدة، التي تعارض عقوبة الإعدام، أن يجري محاكمة عناصر داعش المتورطين دون احتمال فرض عقوبة الإعدام، لكن العراق قد حكم بالإعدام بالفعل على أعضاء داعش المدانين.

وفي رد على سؤال بشأن الخلاف المتعلق بمشاركة الأدلة وعقوبة الإعدام، قال مسؤولو يونيتاد في بيان أرسل للصحيفة إن المنظمة شاركت بعض الأدلة مع السلطات العراقية.

وأضاف مسؤولو يونيتاد أن السلطات العراقية أعربت عن استعدادها لمواصلة التنقيب عن المقابر الجماعية بعد مغادرة الفريق، رغم أنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت ستتمكن من توفير الموارد اللازمة للقيام بذلك.

وعزا محما خليل، وهو إيزيدي وعضو في البرلمان العراقي، قرار الحكومة بإنهاء تفويض يونيتاد إلى "التوتر في العلاقة بين العراق والأمم المتحدة وأيضا إلى وجود ضغوط خارجية" من دول أخرى على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

رفض خليل الإفصاح عن الدول التي يعتقد أنها تمارس تلك الضغوط، لكن الحكومة العراقية لها علاقات سياسية وعسكرية مع إيران، وفقا للصحيفة.

وتعتبر قضية المقابر الجماعية في العراق من أبرز الملفات الشائكة التي عملت الحكومات العراقية على معالجتها بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقدر "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق" أن المقابر الجماعية في البلاد تضم رفات 400 ألف شخص. ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن لدى العراق واحدا من أكبر أعداد المفقودين في العالم، ويقدر عددهم بين 250 ألف ومليون شخص، يُعتقد أن الكثير منهم دُفن في مقابر جماعية.