المساعدات الإنسانية لا تصل للمناطق الشمالية في قطاع غزة
المساعدات الإنسانية لا تصل للمناطق الشمالية في قطاع غزة

أصبحت هناك "حلقة مفرغة" تدفع سكان شمالي قطاع غزة إلى المجاعة، بعد انقطاع المساعدات عن المناطق الشمالية، حيث أدى القصف الإسرائيلي إلى تحويل المراكز الحضرية لأنقاض، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وحسب الصحيفة، فإن الكارثة تلوح في الأفق شمالي القطاع، حيث أكد أطباء محليون حدوث "أكثر من 12 حالة وفاة مرتبطة بالجوع"، خلال الأسبوع الماضي.

ويدفع شح المساعدات الأشخاص اليائسين إلى التجمهر والاستيلاء على أية إمدادات قد تصل، مما يثير أعمال عنف تمنع الجماعات الإنسانية والجيش الإسرائيلي من جلب المزيد من المساعدات، وفق التقرير.

وبعد إنهاء سيطرة حماس، قامت القوات البرية الإسرائيلية بالحد من تدفق المساعدات شمالا دون توفير سلطة مدنية بديلة لاستعادة النظام والخدمات الأساسية لربع مليون شخص، رفضوا الأوامر الإسرائيلية بالتحرك جنوبا، بحسب "وول ستريت جورنال".

في شمالي القطاع المدمر، يقضي الناس، الذين يحتمون بين الأنقاض، أيامهم في البحث عن الطعام. ويقوم كثيرون بخلط العلف الحيواني في خبزهم، فيما ينتشر التهاب الكبد الوبائي (أ) والإسهال بسرعة، خاصة بين الأطفال.

ويقول البالغون إن شعرهم وأسنانهم تتساقط وتتكسر أظافرهم، وهي علامات على سوء التغذية.

"علف الأرانب"

لا تستهلك ماهرة هشام، وزوجها، اللذان بقيا في مدينة غزة، سوى الشاي والماء في بعض الأيام، حتى يتمكن أطفالهما من تناول المزيد من الخبز الذي يصنعونه من مزيج كريه الرائحة من مختلف أنواع الدقيق وعلف الأرانب الذي يباع في السوق.

وللتخلص من آلام الجوع، تنام الفتيات المراهقات حتى تبدأ الشمس في الغروب، وعندما يجعن يبتلعن ملاعق من الزعتر المطحون.

وقالت هشام (36 عاما): "اليوم استيقظ ابني ولم يجد شيئا في المطبخ سوى ليمونة"، مضيفة: "لقد حطم قلبي".

وذكرت أن ابنها البالغ من العمر 10 سنوات أضاف بعض السكر لثمرة الليمون وأكلها.

ويعاني 16 بالمئة من الأطفال دون سن الثانية في شمال غزة من سوء التغذية الحاد، مقارنة بـ 0.8 بالمئة قبل الحرب. وفي رفح الجنوبية، حيث يلجأ معظم النازحين من غزة، فإن 5 بالمئة من الأطفال يعانون من سوء التغذية، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي.

وحسب الأمم المتحدة، فإن الرضع معرضون للخطر بشكل خاص؛ لأن الأمهات المرضعات لا يأكلن ما يكفي من طعام لإنتاج الحليب الطبيعي ويصعب الحصول على الحليب الاصطناعي.

ويقول سكان غزة وعمال الإغاثة، إن "الوجود الإسرائيلي غير ملحوظ في الشمال باستثناء عدد قليل من نقاط التفتيش، كما لا يوجد وجود واضح لحماس أو الشرطة الفلسطينية".

والأسبوع الماضي، وصلت مجموعة من بعثات الأمم المتحدة إلى الشمال، ومعظمها قوافل صغيرة تحمل الإمدادات الطبية بدلا من الغذاء، وهو الأمر الأكثر طلبا بعد أكثر من 5 أشهر من الحرب التي عزلت الشمال بالكامل تقريبا عن بقية العالم.

وقال سكوت أندرسون، المسؤول الكبير بوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والذي عاد مؤخرا من إحدى تلك البعثات، إن الطعام كان الشيء الأول الذي يطلبه الجميع.

ولم ير أندرسون أي طعام معروض للبيع في السوق، باستثناء القليل من الليمون والخضروات الورقية.

ورفض الجيش الإسرائيلي، الذي يسيطر على ممرات الوصول من الجنوب إلى الشمال عبر نقطتي تفتيش، السماح لأكثر من نصف بعثات المساعدات التي تقودها الأمم المتحدة، بالوصول إلى الشمال، في يناير وأوائل فبراير، لما قال إنها "أسباب أمنية"، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، إنه لم يُسمح لها بتوصيل المساعدات الغذائية أو الطبية إلى الشمال، منذ انتهاء وقف إطلاق النار الذي استمر أسبوعا في أواخر نوفمبر الماضي.

وعلقت وكالات الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية بعثاتها لتوصيل الغذاء إلى الشمال تماما في 5 فبراير، عندما تعرضت قافلة مساعدات كانت تنتظر بالقرب من نقطة تفتيش للوصول إلى شمالي غزة، لنيران البحرية الإسرائيلية.

وقالت إسرائيل إن قواتها كانت تستهدف "البنية التحتية" لحماس، وإنها ستحقق في الحادث. ومنذ ذلك الحين، لم يقم سوى برنامج الأغذية العالمي بمحاولات غير ناجحة لإعادة تشغيل قوافل الغذاء إلى الشمال.

"ممرات إنسانية"

واندلعت الحرب في أعقاب هجوم شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، أسفر عن مقتل 1160 شخصا، غالبيتهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفق تعداد لوكالة فرانس برس استنادا الى أرقام إسرائيلية رسمية.

وتعهدت إسرائيل بـ"القضاء" على الحركة المصنفة على قائمة الإرهاب الأميركية، وهي تنفّذ قصفا مكثفا وعمليات برية أدت إلى مقتل أكثر من 30 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب أرقام وزارة الصحة في القطاع.

ووضعت الحرب المتواصلة منذ 5 أشهر، أكثر من مليوني شخص في قطاع غزة يشكّلون الغالبية العظمى من السكان، أمام خطر المجاعة، وفق الأمم المتحدة.

وتؤكد المنظمات الدولية، أن كمية المساعدات التي تدخل القطاع المحاصر، وتحتاج إلى موافقة إسرائيل، لا تقارن بما يحتاج إليه السكان.

في المقابل، اعترف المسؤولون الإسرائيليون بأن انعدام النظام في شمال غزة أعاق إيصال المساعدات هناك، ويقولون إنهم يحاولون مساعدة الأمم المتحدة على إيجاد طرق لحماية قوافل المساعدات، بما في ذلك من خلال مقاولين من القطاع الخاص.

وتجري إسرائيل عمليات تفتيش صارمة على كل ما يدخل إلى غزة، وتسمح بالغذاء والدواء والخيام ومياه الشرب، بينما تحظر كل شيء آخر تقريبًا خشية أن ينتهي به الأمر في أيدي حماس، بحسب "وول ستريت جورنال".

وقال شيمون فريدمان، المتحدث باسم الوكالة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تسهيل المساعدات لغزة، إن إسرائيل "لا تريد توفير الأمن الشامل لقوافل المساعدات داخل قطاع غزة".

وقال إنه بدلا من ذلك، "ستقوم إسرائيل بإدخال القوافل المتجهة شمالا عبر ممرات إنسانية، تم تأمينها بالفعل من قبل القوات الإسرائيلية". وسيتعين على القوافل أن تقوم بترتيبات الأمن الخاصة بها بعد مغادرة الممرات للتوزيع بشكل أعمق في غزة.

والجمعة، أعلنت عدة دول، من بينها الولايات المتحدة، عن افتتاح مرتقب لممر بحري بين قبرص وغزة، لنقل مساعدات إنسانية إلى القطاع الفلسطيني، الذي تواصل إسرائيل قصفه بلا هوادة، وذلك بعد أن عكفت تلك الدول على إنزال المساعدات جوا.

وسلطت الواقعة التي حدثت في شارع الرشيد في غزة يوم 29 فبراير، الضوء على حجم الكارثة الإنسانية بالقطاع، عندما قتل وأصيب العشرات أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات.

واتهم الفلسطينيون إسرائيل بإطلاق النار على المحتشدين للحصول على المساعدات، بينما قالت إسرائيل إن وفاتهم نجمت عن التدافع والدهس، بالإضافة إلى "إطلاق نار بدقة" من قبل جنودها.

وفي نتيجة تحقيقه، قال الجيش الإسرائيلي، الجمعة، إن "مراجعة للقيادة خلصت إلى أن جنود.. لم يطلقوا النار على قافلة المساعدات الإنسانية، بل أطلقوا النار على عدد من المشتبه بهم كانوا قد اقتربوا من قوات قريبة وشكلوا تهديدا لها".

ومن بين أولئك الذين كانوا في المكان، رجل يدعى داود تحدث لـ"وول ستريت جورنال"، قائلا إنه كان يحاول العثور على طعام لعائلته، عندما دفعت طلقات الأسلحة الرشاشة الناس إلى الفرار.

وهرب داود من المنطقة بعد أن نجح في الحصول على 3 علب من الفاصوليا. وأثناء فراره، رأى رجلا يحمل كيسا من الدقيق، وملابسه ملطخة بدماء الفلسطينيين الآخرين الذين قُتلوا بجانبه وهم يتدافعون للحصول على شيء ليأكلوه، حسب الصحيفة.

وقال الرجل الذي كان يعمل خياطا قبل الحرب: "كنت أعلم أن الذهاب إلى هناك أمر خطير للغاية، لكن أطفالي الأربعة كانوا جائعين".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".