يوم بعد يوم، تتفاقم المصاعب التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، فبجانب الحرب وشح الغذاء، يعاني سكان القطاع من عدم توفر السيولة النقدية لشراء المستلزمات الأساسية، إن توفرت، وذلك في ظل غلاء للأسعار زاد مع حلول شهر رمضان.
وكشف تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، الخميس، أن سكان قطاع غزة حاليا "يعانون من تقلب شديد في الأسعار، نتيجة نقص الغذاء وغيره من الضروريات، بجانب عدم القدرة على الحصول على السيولة النقدية (الكاش) لشراء ما هو متاح أمامهم".
وكانت أسعار المواد في الغذائية في غزة، خلال يناير الماضي، أعلى بمعدل أكثر من الضعف مقارنة بما قبل الحرب، حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
كما أفاد برنامج الأغذية العالمي، أن أسعار الملح والدقيق زادت خلال شهري ديسمبر ويناير بمعدل 10 أضعاف، مقارنة بما قبل الحرب، قبل أن تبدأ في الانخفاض مع وصول الإمدادات.
"أسعار إجرامية"
مصطفى الأشقر، أحد سكان القطاع الفلسطيني المحاصر، قال للصحيفة الأميركية، إنه حينما كان لا يزال يعيش وزوجته في مدينة غزة، حيث يعملان في تجارة الملابس، كان المال الذي يجنيانه يكفي لتأمين احتياجات طفلتهما الصغيرة.
وانتقل الزوجان إلى مدينة رفح، حيث يعيشان حاليا إلى جانب أكثر من مليون نازح آخر من مختلف أنحاء القطاع.
وتابع: "الأسعار إجرامية"، موضحا أنها "تضاعفت بمعدل 600 بالمئة" منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر من العام الماضي.
وأشار إلى أن مجموعة الحفاضات التي كان يشتريها لطفلته قبل الحرب بحوالي 25 شيكلا (نحو 7 دولارات وفق سعر الصرف الرسمي الفلسطيني)، أصبح يشتريها بأكثر من 170 شيكلا بنهاية فبراير الماضي.
وأوضحت الصحيفة أن الأزمة تضاعفت مع بداية شهر رمضان. وقال بعض المواطنين في غزة إنهم لا يستطيعون الحصول على السيولة النقدية التي أرسلتها لهم أسرهم في الخارج، عبر حساباتهم المصرفية.
وقال المتحدث باسم منظمة "المعونة الأميركية للاجئين في الشرق الأدنى"، ستيفان فيك، إن "النظام المصرفي مشلول في أغلب الأحيان".
وذكرت "وول ستريت جورنال" أنه مع اندلاع الحرب، بدأ العديد من سكان قطاع غزة إيداع أموالهم في البنوك لحفظها أو الحصول عليها من الخارج حال تركوا القطاع. وخلال وقف إطلاق النار الذي استمر أسبوعا نهاية نوفمبر، نقلت البنوك نحو 180 مليون شيكل (حوالي 50 مليون دولار) نقدا من شمالي القطاع إلى الجنوب، بحسب سلطة النقد الفلسطينية ومقرها رام الله.
وأضافت الهيئة التي تشرف على البنوك في الضفة الغربية وقطاع غزة، إن مئات الآلاف من النازحين الذين انتقلوا إلى جنوبي غزة، يسعون لسحب أموالهم.
وقال رئيس سلطة النقد، فراس ملحم، إنه "منذ ديسمبر، بعد انتهاء وقف إطلاق النار وبدء العمليات الإسرائيلية في خان يونس جنوبي القطاع، لم تكن هناك طريقة لتحويل الأموال النقدية بين فروع البنوك".
وأضاف أن العديد من فروع البنوك، البالغ عددها 56 بجانب 91 ماكينة صراف آلي في غزة، تعرضت للتدمير أو خرجت عن الخدمة منذ بدء الحرب، وخصوصا في المناطق خارج رفح.
ولم تتسلم بنوك غزة أي أموال جديدة منذ بدء الحرب بسبب مخاوف أمنية، وفقا لسلطة النقد الفلسطينية. وما يزيد الطين بلة هو أن المعاملات الإلكترونية "مستحيلة" في الغالب، بسبب انقطاع الاتصالات والكهرباء، وفق "وول ستريت جورنال".
وتابع ملحم حديثه للصحيفة: "ننتظر وقف إطلاق النار لتغذية فروعنا، عبر نقل الأموال داخل غزة".
وتعمل دعاء فريد (28 عاما) في أحد المختبرات الصحية، ولا تزال تحصل على راتبها وهو أمر نادر في غزة، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى أن منزلها بدير البلح وسط غزة، بعيد عن معظم أجهزة الصراف الآلي التي تعمل، والموجودة في رفح.
وقالت لوول ستريت جورنال، إن "أقرب ماكينة صراف آلي من منزلها أمامها طوابير طويلة من الناس، وتنتظر لساعات طويلة من أجل سحب أموال، وكثيرا ما تنفد تلك النقود في الماكينة". كما أنها أشارت إلى أن المنطقة "تشهد قتالا نشطا".
وأوضحت فريد أنها تحصل على ما تريده من نقود "عبر مكاتب تحويل الأموال، التي تفرض رسوما تصل إلى 15 بالمئة، بجانب أن الحد الأقصى من السحب يكون 400 شيكل (حوالي 111 دولارا)، وذلك حينما يكون النقد متاحا بالطبع".
وذكرت الشابة الفلسطينية: "مر أسبوعان منذ آخر مرة تمكنت فيها من الحصول على المال".