في عام 2011 انتفضت بلدان بأكملها وامتلأت شوارع المدن بالغاضبين. عجت الميادين بالمقهورين وخرج الشبان يتزعمون الانتفاضات. من تونس إلى مصر ثم ليبيا امتدت الشرارة إلى بقية الأقطار. وفجأة رُفعت الأغلال وكُسرت القيود وانفلت الوضع العربي العام.
كانت البحرين تعيش غليانا سياسيا بين النظام السني الحاكم والأغلبية الشيعية، وجاء الربيع العربي فوسع الشرخ: احتلت المعارضة الشوارع واستنجدت الحكومة بقوات درع الجزيرة الخليجية لمواجهة المتظاهرين.
ورغم أن وسائل إعلام خليجية كانت وقودا للغضب في تونس ومصر وليبيا لحسم الثورات بسرعة لصالح الشعوب، إلا أن البحرينيين لم يصبهم غير التهميش الإعلامي في خريطة عربية كانت مصابة بالذهول. فماهي الأسباب؟
طهران.. أضرت بالثورة؟
"البحرين هي محافظة إيران الـ14". هذا ما قاله علي لاريجاني وحسن شريعتمداري وناطق نوري ومسؤولون إيرانيون آخرون في مناسبات مختلفة.
وفي كل مرة تتسبب هذه العبارة التي أضحت مألوفة لفرط استعمالها في تأزيم للعلاقات الخليجية الإيرانية. ثم تتبرأ طهران من التصريحات وتصفو الأجواء مرة أخرى.
لكن هل يغير هذا من نية طهران؟
السياسيون يقولون "النية لا تهم في السياسة. الذي يهم هو الفعل"، لكن قد يكون الطابع الطائفي لتصريحات المسؤولين الإيرانيين قد أضر بالانتفاضة البحرينية، وربما أجهض مصداقيتها في المهد.
يقول المعارض البحريني عبده علي محمد "ليس من المعقول أن ندفع في كل مناسبة ثمن تصريحات طائشة"، ويضيف لموقع "راديو سوا" أنه "منذ وصول أولى نسائم الربيع العربي إلى هذه المملكة الصغيرة بدأ النظام بتوظيف هذه التصريحات وتضخيمها لقمع الحريات والحقوق".
من جانب آخر، يؤكد موالون للسلطة أن الأحداث الجارية في البحرين فضحت "الطوابير الإيرانية في الخليج العربي" وكشفت الانتماء الحقيقي للمعارضة "التي تتلقى أيضا تدريبا عسكريا من طهران لقلب النظام الحاكم".
سؤال السلمية
السلطات البحرينية اتهمت الحرس الثوري الإيراني بتدريب ناشطين بحرينيين على تنفيذ تفجيرات داخل المملكة. وبالرغم من النفي المتكرر للمعارضة، إلا أن رئيس النيابة العامة البحرينية أسامة العوفي أكد للصحافة أن هناك متهمين "اعترفوا بعزمهم ارتكاب عمليات إرهابية تحت مسوغ ديني وشرعي".
وليست هذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها السلطة المعارضة الشيعية بالضلوع في أعمال عنف. فقد أصبحت التفجيرات والاعتداءات على الشرطة وأحيانا على العمالة الأجنبية ظاهرة شبه يومية، يقول موالون للسلطات إنها "من تدبير أذناب إيران في البحرين لخدمة الحزام الهوياتي والديني لإيران".
وقد هاجمت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام سميرة رجب، في مقابلة مع موقع "راديو سوا"، المعارضين، قائلة إن "التيار الشيعي يستهدف المنطقة بالفوضى والحروب الطائفية والفتن وتمزيق النسيج الوطني"، واصفة إياه بـ"التيار الموالي لولاية الفقيه".
من جهة أخرى، تصف المعارضة اتهامات السلطة بـ"المفبركة"، والهادفة إلى "تشويه سمعة قطاعات عريضة من المجتمع تطالب بالديموقراطية واحترام حقوق الإنسان".
لكن المتخصص في شؤون البحرين غسان الشهابي يقول لموقع "راديو سوا" إن اتهامات السلطة للمعارضة الشيعية "لا تستند إلى دلائل ملموسة"، مضيفا "دائما السلطة تتهم والمعارضة تنفي. أمامك رأيان متناقضان تماما.. كل ما يصدر عنهما في ظل غياب الأدلة مجرد آراء".
وللإشارة، ففي تشرين الثاني/نوفمبر2011 نسف تقرير حقوقي (معترف به رسميا) قدمته "لجنة تقصي الحقائق المستقلة في أحداث البحرين" اتهامات السلطة للشيعة المعارضين بالعمالة للخارج. وبرأ التقرير أيضا إيران من التدخل في شؤون المنامة بتوظيف المعارضة. وفي المقابل، أكد استخدام السلطة لـ"لتعذيب والعنف المفرط".
"تغطيات مذهبية"
بينما كانت وسائل إعلام غربية تصف العنف الذي يتعرض له المحتجون، اكتفت القنوات الخليجية البارزة ببث لقطات باهتة للمحتجين، مع صور أخرى للتحرّك التضامني مع الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
ويتهم المعارضون الإعلام الخليجي بالانحياز للنظام السني على حساب الأغلبية الشيعية. غير أن هناك من يبرر ذلك بارتباط الانتفاضة البحرينية بإيران.
أما المعارضة فترى في مسارعة السلطة إلى اتهام طهران "تهافتا" غرضه استهداف المعارضة وربطها بإيران، حتى تتوقف المنظمات الحقوقية والدول الغربية عن ضغطها على حكم آل خليفة.
وقال المعارض عبده علي محمد إن إيران "تحولت إلى شماعة يعلق عليها النظام همومه ومشاكله"، مضيفا "لا نحتاج إلى تدريب على السلاح ولا نحتاج إلى العنف.. منذ اليوم الأول أكدنا أن مطالبنا المشروعة لن تتحقق إلا بالعمل السلمي".
وأضاف "نندد بكل أشكال العنف بما فيه عنف السلطة، التي تحاصر وتخنق قرى بكاملها، لأنها تطالب بالديموقراطية".
ثلاثة سيناريوهات للحل
تقول منظمات حقوقية إن السلطات البحرينية تواصل اعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين ورجال الدين الشيعة منذ فشل الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة في 2013.
فقد اعتقلت السلطات في 28كانون الأول/ ديسمبر 2014 زعيم جمعية الوفاق علي سلمان بتهمة "التحريض على كراهية النظام". واعتقلت أيضا في 14 كانون الثاني/ يناير 2015 القيادي جميل كاظم بتهمة "التشويش" على الانتخابات.
وتعتبر منظمة العفو الدولية أن الحل في البحرين سيكون سياسيا، لكن سيبدأ بوقف حملة التضييق والاعتقالات للأصوات المعارضة.
أما السيناريو الثاني للحل فمن الممكن أن يأتي بالجلوس إلى طاولة المفاوضات من جديد وتجنب العنف. فإذا كان قطاع عريض من المعارضة البحرينية يرفض أعمال العنف، فهناك جماعات غامضة تتبنى بين الفينة والأخرى الهجمات على الشرطة.
وقد يأتي الحل أيضا من خلال سيناريو ثالث وذلك بإيجاد توافق داخلي وفكر الارتباط بأطراف خارجية خصوصا السعودية وإيران. فالسلطات البحرينية ترى أن "التيار الشيعي يخضع لأجندات خارجية، ويسعى لتمزيق النسيج الوطني"، واصفة إياه بـ"التيار الموالي لولاية الفقيه".
وفي الوقت الذي تندد فيه البحرين بـ"تدخلات طهران في شأنها الداخلي"، تتهم المعارضة السلطة بـ"فتح أبواب البلد على مصراعيه أمام الجيوش الخليجية لقمع المظاهرات السلمية".
فهل تظل الأزمة البحرينية رهينة التوازنات الإقليمية والعلاقات الخليجية الإيرانية؟
أم أن الوعي والانتماء الشعبيين سيكفلان للبحرين العبور نحو الديموقراطية؟
هل سيجد سنة البحرين وشيعته الوصفة اللازمة للحل؟
ما رأيك؟ شارك به في التعليقات!