يحفل سجل التنظيمات الإرهابية بمختلف أنواع الجرائم، لعل من أبشعها الاتجار بالبشر الذي يعيد الإنسانية قرونا إلى الوراء ويرسخ ممارسات من المفترض أنها انقرضت. وتكشف تقارير الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات يوميا عن المزيد من الجرائم التي يقترفها تنظيم الدولة الإسلامية داعش وغيره من التنظيمات المتشددة. جرائم داعش والتنظيمات المماثلة له لم تستثن أحدا. لكن تظل النساء والأطفال الأكثر عرضة لهذه الممارسات عندما يتعلق الأمر بالإتجار بالبشر، حسب تقديرات دولية. فما العلاقة التي تجمع بين الإرهاب والاتجار بالبشر، وما الذي تستفيده التنظيمات المتشددة من الخوض في هذه التجارة الرخيصة؟ غسل أدمغة واستعباد جنسي عرف البروتوكول الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص هذه الجريمة بأنها تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم، أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة، أو استعمالهم قسرا لا سيما من خلال الخداع أو استغلال حالة الضعف. وتشمل أشكال الاتجار بالبشر الاستغلال الجنسي والسخرة والاسترقاق والاستعباد ونزع الأعضاء وتهريب المهاجرين. لكنها لا تقتصر على ذلك فقط. وتحط هذه الجريمة من قدر الإنسان لتجعل منه مجرد سلعة رخيصة لخدمة النزوات والأهواء والمصالح. وتتداول وسائل الإعلام المختلفة يوميا أنباء نساء وفتيات تركن أسرهن وبلادهن ليتم تزويجهن بمقاتلين في صفوف داعش، أو استخدامهن فيما أطلق عليه تسمية "جهاد النكاح". يختلف الأسلوب بالنسبة للأطفال، لكن تبقى النتيجة واحدة. يستقدم داعش أطفالا قد لا تتجاوز أعمارهم الست سنوات ليتم إخضاعهم لبرامج هدفها زرع فكر التنظيم في عقولهم وتدريبهم على مهارات أولية للقتال. وأسوأ من ذلك، يستخدم التنظيم المتشدد هؤلاء الأطفال بنكا للدم لإسعاف المصابين من المسلحين. وكشفت صحيفة الديلي ميل البريطانية في تقرير نشرته في كانون الأول/ديسمبر 2014 عن اتجار داعش بالأعضاء البشرية لتمويل نشاطه في منطقة الشرق الأوسط. وأضافت الصحيفة أن داعش جند أطباء أجانب لاستئصال الأعضاء الداخلية - ليس فقط من جثث مقاتليهم ولكن أيضا من الرهائن الأحياء - ومن بينهم أطفال من الأقليات في العراق وسورية. طفولة مغتصبة تشهد وتيرة الاتجار بالأطفال ارتفاعا مطردا على مستوى العالم، لتحتل نسبة الثلث من بين كل حالات الاتجار بالبشر المسجلة، حسبما ذكر تقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة السنة الماضية. وتصل نسبة ضحايا الاتجار بالبشر من القاصرين في إفريقيا والشرق الأوسط إلى 60 بالمئة، بينما لم تكن لتتجاوز الـ20 بالمئة من الحالات المسجلة بين العامين 2003 و2006. وتشكل الإناث 70 بالمئة من ضحايا هذه الجرائم، حسب ما جاء في التقرير الأممي. ويظهر التقرير انخفاضا في الاتجار بالنساء وارتفاعا في استغلال الفتيات والمراهقات من 10 بالمئة قبل عشر سنوات إلى 21 بالمئة اليوم. وحمل التقرير تنظيم داعش المسؤولية في تنامي الظاهرة. وتضمنت أشكال استغلال الضحايا التي عرضها التقرير الاستغلال الجنسي للنساء بنسبة 79 في المئة و14 في المئة للعمل القسري وسرقة الأعضاء. في حين يتعرض 83 في المئة من الضحايا الرجال للعمل القسري وثمانية في المئة للاستغلال الجنسي وواحد في المئة لسرقة الأعضاء. بوكو حرام على خطى داعش داعش ليس التنظيم المتشدد الوحيد المنخرط في الاتجار بالبشر من أجل تسخيرهم للأغراض التي رسمها، فقد أقدمت جماعة بوكو حرام في نيسان/أبريل الماضي باختطاف 276 تلميذة في شمال نيجيريا، ما أثار غضبا دوليا عارما. واليوم، مرت سنة كاملة على اختطاف الفتيات والكل يجهل ما حل بهن. لقد هدد التنظيم المتشدد مرات عديدة ببيع الفتيات في سوق النخاسة سيرا على خطى رفيق الدرب في الإرهاب داعش. وتستخدم بوكو حرام أكثر فأكثر الفتيات الصغيرات انتحاريات لتنفيذ هجمات في المدن التي لا تزال تحت السيطرة الحكومية في شمال نيجيريا. وفي شباط/فبراير الماضي، فجرت فتاة لا تتجاوز السابعة من عمرها حزامها الناسف في سوق شعبي، ما أسفر عن مقتل خمسة وجرح 19 آخرين. وكان موقع ديلي بيست الإخباري قد أوضح أن الاتجار بالبشر يخدم ثلاثة أغراض رئيسية للجماعات الإرهابية، وهي إدرار الدخل وتوفير قوة القتال وقهر العدو. وأوضح الموقع أن الاتجار بالبشر جريمة ذات الاستخدام المزدوج. فهو لا يدر الإيرادات فقط، بل يهلك المجتمعات ويصيب السكان بالخوف ويقلل من قدرتهم على المقاومة تماما كما كان الاستعباد واغتصاب النساء يستخدم كأدوات للحرب في الماضي. اليوم، مع كل التقدم الذي يشهده العالم على مستويات عدة، تعمد الجماعات الإرهابية إلى العودة بالبشرية إلى ممارسات لا إنسانية لم يعد لها مكان في الزمن الحالي.  

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.