فيما يواصل تنظيم الدولة الإسلامية داعش تجنيد الأطفال في سورية والعراق، وجعلهم قنابل موقوتة، تتصاعد الأصوات المطالبة بالإفراج عن المحتجز لدى السلطات العراقية.
وكان الطفل السوري خدع داعش حين مضى مع مجنديه في رحلة استغرقت أسابيع، من بلدته منبج شمال حلب إلى الموصل وصولا إلى بغداد، مرتديا حزاما ناسفا بإرادته ليتم وضعه أمام مسجد شيعي. غير أنه اتجه فور نزوله من السيارة إلى رجال الأمن وسلم نفسه.
وأكد أسيد في لقاءات تلفزيونية أنه لم يكن ينوي في أي لحظة من اللحظات تنفيذ أوامر مجنديه حتى لو تسبب ذلك بمقتله. ويفكر أسيد، الذي لم يتجاوز عمره 14 سنة، بوالدته محاولا طمأنتها والتأكيد لها أنه سيعود إلى البيت الذي هرب منه عندما جنده تنظيم داعش في منبج، وأخذه إلى معسكر تدريب للمقاتلين في ريف حماة.
مناشدات لإطلاق سراح أسيد
وكان مجلس محافظة حلب (التابعة للمعارضة السورية) ناشد في بيان منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف والمنظمات المعنية بالطفولة التدخل للإفراج عن الطفل السوري أسيد البرهو المحتجز لدى السلطات العراقية.
وقال نائب رئيس محافظة حلب منذر السلال في مقابلة أجرتها معه "إذاعة العراق الحر"، إن مجلس المحافظة وجه عددا من الرسائل لمنظمات حقوقية وإنسانية من أجل العمل على إطلاق سراح البرهو، مشيرا إلى أن "المجلس سيتكفل بالطفل وذويه من خلال تأمين مسكن لهم في تركيا، أو المناطق المحررة الخاضعة لسيطرة الثوار".
ووفق السلال فإن البرهو من أبناء مدينة منبج بريف حلب الشرقي "ولم يكن له أي ارتباط بأي فصيل تابع للحر. وقد طلب منه تنظيم داعش المشاركة في دورة شرعية، ومن ثم تم تجنيده ليقوم بأعمال قتالية، دون علم أهله وموافقتهم".
ووجه السلال رسالة إلى الحكومة العراقية مطالبا بالإفراج عن البرهو كونه سلم نفسه طواعية، متحدثا في الوقت نفسه عن "ضرورة مساهمة الجميع في حماية الأطفال ونزعهم من المحيط السيئ الذي يقوم التنظيم بتهيئته لهم".
من جانب آخر، ناشد أحمد البرهو، ابن عم أسيد، السلطات العراقية إطلاق سراح ابن عمه أسيد البرهو. وأضاف متحدثا لـ"إذاعة العراق الحر"، أن التنظيم قام بتنجيد ابن عمه من خلال عدد من أصدقائه الأطفال عبر إخضاعهم لدورات شرعية، مشيرا إلى أن أسيد كان يستعد لتقديم امتحانات الشهادة الإعدادية في الصف التاسع، لكن التنظيم خطفه من بين أفراد عائلته. وأوضح أن التنظيم لم يتصل بأهل أسيد بعد القاء السلطات العراقية القبض عليه.
ولم يتمكن مراسل "العراق الحر" من اللقاء بوالدي الطفل أسيد كونهما لا يزالان يعيشان في مدينة منبج في الريف الشرقي من حلب، الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش.
داعش "يغسل أدمغة الأطفال"
وكان الناطق باسم وزارة الداخلية العراقية العميد سعد معن أكد لـ"إذاعة العراق الحر" أن الطفل أسيد برهو يعامل معاملة إنسانية، وأن "السلطات العراقية تنظر اليه كضحية أكثر من كونه مجرما أو مذنبا، ولأنه طفل يعامل كحدث مع الأخذ بنظر الاعتبار أنه لم يقم بعملية تفجير الحسينية في منطقة البياع وبادر برغبته إلى تسليم نفسه للسلطات".
وذكر معن أن "تنظيم داعش يركز على الأطفال لغسل أدمغتهم وتطويعهم لتنفيذ أجنداته والقيام بهجمات إرهابية".
وفيما يتعلق بتجنيد تنظيم داعش للأطفال السوريين، أكد نائب مجلس محافظة حلب منذر السلال أن التنظيم يواصل تجنيد الأطفال في حلب ومناطق أخرى، ويقوم بعملية غسل أدمغتهم وإبعادهم عن محيطهم الاجتماعي، متحدثا عن "تسجيل حوادث حول قيام أطفال بالشكوى على آبائهم لدى التنظيم بحجة التدخين أو غير ذلك".
ويروي السلال قصة سجين سابق لدى التنظيم تم الإفراج عنه مؤخرا، كان سجانه طفل لا يتجاوز عمره 10 أعوام، مشيرا إلى أن التنظيم يحاول تعبئة صفوفه بالأطفال من خلال إغرائهم بالمهرجانات والجوائز.
وحسب السلال فإنه يتوجب على الجميع العمل على حماية الأطفال السوريين ومنعهم من الوقوع بيد داعش، محذرا من أن "أطفال داعش هم قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي مكان وزمان".
ورصد مراسل "إذاعة العراق الحر" عددا من حالات قيام أطفال مهاجرين في مناطق سورية بحمل السلاح من بنادق روسية وقنابل يدوية، علما أن أعمارهم لا تتجاوز ثماني سنوات، والبعض الآخر لم يتجاوز عمره ستة أعوام.
من المسجد إلى المعسكر
يقول الباحث الإسلامي الشيخ حسن الدغيم، والمطلع عن كثب على أفكار ونشاطات الجماعات المتشددة في سورية إن "التنظيم يقوم بتجنيد الأطفال من خلال إعلانه عن دورات لتحفيظ القرآن في البدء، ثم ما تلبث أن توسم تلك المساجد بالمعسكرات القتالية من خلال إطلاق أسماء مختلفة عليها من بينها (أسود الحرب)".
ويشير الشيخ الدغيم في حديث لـ"إذاعة العراق الحر" إلى أنه ومن خلال تجواله على عدد من معسكرات التنظيم في المساجد التي يدعي التنظيم أنها لحفظ القرآن، يجري تعليم الأطفال الفكر التكفيري والجهادي، حيث يوزع عدد من المطويات التكفيرية على الأطفال الصغار في سن ثمانية وحتى 14 عاما.
وحسب الدغيم فإن التنظيم يعمل على اقتحام حاجز الخوف لدى الأطفال من خلال ترغيبهم وإطلاق الأسماء الرنانة عليهم لزعماء جهاديين وتسليمهم السلاح والأحزمة الناسفة وإقناعهم بأهمية القيام بعمليات انتحارية ودخول الجنة واستقبال الحور العين لهم، بالإضافة إلى عرض مقاطع التفجير التي يرافقها التكبير وخاصة في المناطق الشيعية كمدينة الصدر والشعلة وغيرها في العاصمة العراقية بغداد.
ويرى الدغيم أن تنظيم داعش "يعمل على فصل الأطفال عن عوائلهم ومجتمعاتهم، من خلال تكفير الأطفال المنتسبين للتنظيم لأهلهم وإقناعهم بأن سلوكيات أهالي الأطفال هي غير إسلامية".
ويؤكد الدغيم أن التكفير كان منهجا متبعا عند الخوارج، من خلال "الولاء والبراء"، وهو منهج يلتزم بتطبيقه تنظيم الدولة الإسلامية عند تجنيده للأطفال وجعلهم يكفرون فصائل الجيش الحر وكل من يؤمن بالدولة المدنية أو الديموقراطية، مشدداً على أن "فكر داعش هو تكفير بلا حدود".