براءة الاطفال هي مضرب الأمثال في كلِّ اللغات وعند كل الشعوب والاديان. لكن لم يحمهم هذا من قبضة الارهاب. فجندت داعش الاطفالَ في معسكراتٍ يتدربون فيها على القتل والتفجير ويتعلمون فيها ما يضرُّهم ويضرُّ مجتمعهم ويسلبُ طفولَتهم وبراءتهُم.

وينظرُ التنظيمُ الى الاطفالِ والشباب على أنهم طريقه الأقصر للوصول للجيل القادم. لهذا يحاولُ نشر أفكارهِ بينَ الاطفالِ من خلال "نقاطٍ اعلامية" ونشاطاتٍ "دعوية" يقومُ بها في مناطقِ سيطرته.

حتى في المناطق غير الخاضعة لسيطرته، لم يسلم الأطفال والشباب من محاولات التنظيم نشر الأفكار المتطرفة عبر حملة متواصلة على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من مواقع الانترنت في محاولة لتجنيدهم.

فكيف يتم مواجهة هذا الخطر؟

لنتعرف على ما فعله تنظيم داعش مع الاطفال.

أطفال يَقتلون .. وتفخيخ لمعاقين

أظهرت مقاطع فيديو أصدرها تنظيم داعش في أواخر عام 2014 أطفالاً يتدربون على القتالِ في معسكراتٍ انشأها لهذا الغرض. وبدا بعض هؤلاء الاطفال كأنهم دون سن الثامنة من العمر.

ويظهر في نهاية أحد المقاطع أحد الاطفال واسمه عبد الله من كازخستان وهو يتوعد بأنه سيصبح "ذباحاً". وفي شريطٍ لاحقٍ أصدره تنظيم داعش، ظهر الطفل نفسه وكأنه يقوم بإعدام رجلين مقيدين وذلك بإطلاق النار عليهما من الخلف. ولا يمكن التحقق بشكل مستقل من صدقية الشريط.

ولمْ يتوقفِ الاعتداءُ على الاطفالِ والأجرامُ بحقّهم عند هذا الحد، لكن تجاوزهُ ليشملَ حتى الأطفال ذوي الاحتياجات الذهنية الخاصة. حيثُ كشفتْ الخبيرةُ في مجلسِ حقوقِ الطفلِ التابعِ للأمم المتحدة ريناتي وينتر لسي أن أن عن استخدام تنظيم داعش لأطفالٍ ذوي احتياجات ذهنية خاصة في "عملياتٍ انتحارية"، وقالت ان الاطفال يتم تفخيخهم "دون أن يعلموا ماذا سيحدث لهم".

وذكر المرصد السوري لحقوق الانسان أن اكثر من 52 طفلاً قُتلوا ضمن صفوف داعش في عمليات قتالية هذا العام ، بينَهم 18 طفلاً قضوا بعملياتٍ انتحارية.

الأسرة .. بداية الحل

ولأن الوقاية هي خيرٌ من العلاج، فإن الحلول يجب ان تكون أولاً وقائية قبل أن تُعالجَ الآثار. هكذا ترى استاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد، الدكتورة فوزية العطية. وتضيفُ أن الاسرة هي العامل الأهم وان الحل يجب ان يركز على تعزيز وتقوية الأسرة كوحدة بناءٍ أساس في المجتمع وذلك من خلال "نشر التوعية بين الآباء والأمهات".

وترى العطية ان "الزيادة في عددِ الأراملِ والمطلقات وسوءِ الحالة الاقتصادية" للكثيرِ مِن العوائل أدت إلى تسربِ عددٍ كبيرٍ من الاطفال من المدارس بالإضافة الى "اضطرار العوائل لتشغيل الاطفال" لمواجهة الغلاء المعيشي مما جعل هؤلاء الاطفال "صيداً سهلاً" للجماعات المتشددة وغيرها.

ويتفقُ باحثون ومختصون على أن زيادة وعي الاباء والامهات وتحسين الوضع الاقتصادي هو الخط الدفاعي الأول لحمايةِ الاطفال ممن يريدُ "سرقة طفولتهم".

 خُطط لمواجهة الخطر

وتتفقُ النائبة في مجلس النواب العراقي ريزان دلير مصطفى، أن الأسرة تشكل خط الصد الاول لتحصين الأطفال نفسياً وفكرياً لإبعادهم عن الصراع المشتعل في المنطقة وعن مخالب قوى الارهاب.

واوضحت النائبة، وهي مقررة لجنة المرأة والأسرة والطفولة في المجلس، عن الحاجة الماسة الى "الخطط الدقيقة" واللازمة لمواجهة محاولات التنظيم المتشدد لتجنيد الاطفال سواءً في المناطق المحررة وغير المحررة وبيّنت ان العراق يحتاج إلى العديد من أصحاب التخصص في علم النفس والاجتماع لمواجهة هذا الخطر وتشخيص أماكن الخلل وعلاجها.

وقالت ريزان أن الاطفال يشكلون اغلبية ضحايا الإرهاب، سواءً بمحاولةِ تجنيدهم أو بسقوطهم قتلى نتيجة الأعمال الإرهابية التي تستهدفُ كل أشكالِ الحياة، أو بحرمانهم من الحياة الطبيعية وتهجير عوائلهم.

وزيرةُ شؤون المرأةِ في الحكومة العراقية بيان نوري ترى أن دور الأم والأب هو الأهم في تحصين الأبناء وحمايتِهم من "غسلِ العُقول" الذي يحاولُ داعش من خلاله نشر أفكارهِ الى الأجيالِ القادمة. وقالت الوزيرة ان هناك مؤتمراتٍ وورشُ عمل لتنبيه الأمهات الى دورهن في حماية الاطفال من هذا الخطر، مضيفة "إن عدد هذه الورش هو دون الطموح نظراً لتحديدات الميزانية".

وقالت إن الوزارة ستطلقُ الاسبوع القادم عدداً من الدورات التوعوية في المناطق الريفية تهدفُ إلى توعية الامهات وحماية الأطفال من التشدد وخاصة أن تربية الابناء لم تعد حكراً على الوالدين "إنما صار لوسائل الاتصال الحديثة تأثير على تربية الاطفال".

معركة يمكن ان نتجنبها

يرى مدير ابحاث علم الانسان في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية، سكوت أتران، أن مواجهة التجنيد سيضمن تجنب معارك مستقبلية مع هؤلاء الأطفال والشباب إن حملوا السلاح. وقد ذكر أتران ذلك في محاضرة ألقاها في الامم المتحدة في نيسان/أبريل الماضي.

وقال أتران ان "من النادر ان يكون الوالدين على علمٍ برغبة اطفالهم الانضمام للحركة" المتشددة وذلك لأن الآباء والأمهات "لا يتحدثون عن فشل السياسات وعن داعش"، بينما أطفالهم يرنون للمعرفة وفهم الأحداث.

ولإعداد دراسته سافر أتران الى بلدان مختلفة، من ضمنها العراق، في ست قارات وتحدث مع مقاتلين انضموا لتنظيم داعش واعتقلوا في كركوك، وتحدث مع شباب يريدون الانضمام لتنظيم داعش ووجد أن "أغلبهم لم يعرف شيئا عن القرآن والأحاديث النبوية" وأن اغلبهم لا يملك سوى التحصيل الابتدائي.

الصورة: اكثر من 52 طفلاً قُتلوا ضمن صفوف داعش في عمليات قتالية هذا العام/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.