الاحتجاجُ هو التعبيرُ عن الرفض والاستنكار ضد أفعالٍ أو سياسات أو أوضاع معينةٍ إما بالقول أو بالفعل. ويمكنُ أن يتخذ الاحتجاجُ أشكالاً مختلفة، فردية أو جماعية. وتطورت أشكال الاحتجاج ونمت على امتداد العمق الحضاري الانساني لتتخذ شكلاً يتناسبُ مع ما تسمحُ به القوانينُ النافذة والظروف المحيطةُ.
وكلما ضيقت السلطات، في أي زمانٍ، هامش حرية الاحتجاج طوّرت الشعوبُ وسائلَ احتجاجها فاستخدمت الشعرَ والنثر والغناء والأهازيج، ووظفت النكتةَ تعبيراً عن نقدها واستنكارها للسلطات.
وتتزايد حدة الاحتجاجات فتتطورُ إلى مظاهراتٍ حاشدة أو اعتصامات وقد يأخذُ أشكالاً اقتصادية مثل مقاطعة البضائع أو إغلاق المحال التجارية وغيرها.
أما فعلُ الاحتجاج المنظم والمتكرر، حسب منهجية معينة، فيسمى بالمقاومة المدنية أو السلمية.
وتتزايدُ عدائيةُ الاحتجاجِ فيصبحَ عنيفاً في محاولة للوصول للهدف المرجو وتغيير الواقع بالقوةِ.
وسائلُ الاحتجاجِ المعاصر: الاحتجاج الرقمي
وفي عصرٍ صار التواصل فيه بين الناس على امتداد الارض وسعتها آنياً عبر وسائط متعددة وباستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد دعواتُ الاحتجاج محدودةً بين جماعاتٍ وأفرادٍ في رقعة جغرافية وسكانية صغيرة بل صار بالإمكان إيصالُ دعوات الاحتجاج لتشمل بلداناً بأكملها مثلما حدث في بلدان متعددة مثل أوكرانيا وليبيا وغيرها.
وصار الابداعُ في الاحتجاج رديفاً للعصر الحالي، فتنوعت وسائلُ الاحتجاج وتعددت الطرق.
"الهاشتاغ" صار أحد وسائل لفت النظر لقضية ما والاحتجاج على تصرفِ أو حشد الدعم لقضية ما على وسائل التواصل الاجتماعي. ويتيح استخدام الهاشتاغ إحصاء عدد المؤيدين أو المستنكرين لقضيةٍ معينة وكلما ازداد عدد من يستخدم هاشتاغ بعينه، كلما اكتسبت القضيةُ اهتماماً وحيزاً أكبر.
إحدى الوسائل الابداعية الأخرى، هي "الميمز" او الصور التي تحمل كتابة معينة قد تكون ساخرة أو تدعو لإسناد قضية محددة، فتحشد الدعم من خلال انتشارها بين مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات المختلفة.
ويضافُ لهذه الوسائل استخدام الفيديو حيث يتداول المحتجون سقطات السياسيين وتناقضات الواقع وعرض للأسباب والدوافع وما يكمن خلفها من معاناة الشعوب ونقمة متزايدةٍ تجدُ طريقها للتعبير عبر وسائل مختلفة.
وإن لم يحقق الاحتجاج الرقمي هدفه، فإنه يُوظفُ للانتقال لمرحلة أكثرُ حدةً أملاً في إحداث التغيير.
فيصبحُ "الهاشتاغ" و"الميمز" بالإضافة إلى الفيديو أداةً لحث الجماهير على التجمع في تظاهرات واحتجاجات، قد تتطور لاعتصامات، في محاولة لإيصال الصوتِ والضغط على صناع القرار لتنفيذ مطالب او تحقيق وعود تغييراً لواقع مرفوض.
أنا موجود؟
يقولُ الرئيس الاميركي جون كينيدي "إن الذين يجعلون من الثورات السلمية أمراً مستحيلاً، إنما (يقضون) بحتمية الثورة العنيفة".
وهو انتقادٌ للسلطات التي تدفعُ بمواطنيها دفعاً نحو الإيمان بعدم جدوى الحراك السلمي.
وفي لقاءٍ هاتفي مع موقع "إرفع صوتك" أوضحت استاذة علم النفس في جامعة بغداد الدكتورة شيماء عبد العزيز أن من بين دوافع التحول من السلمية إلى العنفِ هو رد فعل من "المحتجين غرضه جذبُ انتباه أصحاب القرار لهم" نتيجة شعور بتجاهل الرأي العام وصناع القرار لمطالبهم.
وقالت "إن الاحتجاج هو فعلٌ مبني على رغبة الانسان في تغيير واقعه من خلال تبيان رفضه واستنكاره للظرف المعاشي أو السياسي، وعندما لا يُسمعُ صوته من قبل أصحاب القرار يشعرُ بالإهانةِ وعدم القيمة فيندفع لإثبات العكس من خلال العنف في رسالة مفادها: أنا موجود فاسمعوني".
وبينت أن مراحل الانتقال من السلمية إلى العنف تختلف من مكان إلى آخر، فتبدأ "بالضوضاء العالية ومحاولة الجماهيرِ لان تكون صاخبة، ثم يعقبها أعمال تكسير وتخريب للممتلكات العامة ثم الانتقال إلى مصادمات وأعمال عنف نتيجة اليأس والغضب المتراكم".
عبد العزيز التي تراقب عن كثب الاحتجاجات السلمية في العراق تقولُ أن سهولة انتقال المظاهرات السلمية الى العنف في العالم العربي يعودُ لـ"بنية الشخصية العربية نتيجة عوامل متعددة منها التقاليدُ، وصورة البطل الذي استخدم القوة لاسترجاع حقوقه" فضلاً عن غياب ثقافة الحوارِ والاصلاح ووجود قناعة تراكمية بأن التغيير لن يحدث من قبل اصحاب القرار ما لم يواجهوا عنف المتظاهرين.
وحذرت عبد العزيز من أن استخدام العنف ضد المحتجين قد يؤدي إلى نتائج عكسية "ويكون سبباً رئيساً في تدهور الوضع ونشوب صراع مسلحِ وتزايدٍ في الاحتجاجات العنيفة لا العكس".
عنفٌ عربي .. وغربي
لا يقتصر تحولُ الاحتجاج السلمي إلى العنف على العالم العربي. بل يبدو أنه ظاهرة إنسانية يقود إليها اليأسُ من تحقق الاصلاح "بثورات سلمية". والامثلةُ المعاصرة على تحول الاحتجاجات السلمية في العالم الغربي إلى احتجاجات عنيفة كثيرة ومنها:
- مدينة بالتيمور الأميركية في عام 2015:
في شهر نيسان/أبريل 2015م اندلعت احتجاجات سلمية في مدينة بالتيمور الاميركية، 60 كم شمال العاصمة الاميركية واشنطن، استنكاراً لمقتل شاب أميركي أسود اسمه فريدي غراي من قبل شرطة المدينة.
ووسط تشنجات عرقية استمرت الاحتجاجات السلمية لأسبوع طالب الناسُ فيها بمحاسبة عناصر الشرطة المتورطين في الحادثة واحالتهم للقضاء. لكن عدم استجابة السلطات والحساسية التي نتجت عن حوادث سابقة، ادّت الى اندلاع احتجاج عنيف في المدينة استمر لعدة أيام.
كانت حصيلة أعمال العنف جرح قرابة 20 شرطياً، وأضرار في 350 محلا تجاريا، وحرق حوالي 150 سيارة، ونهب 27 صيدلية، بالإضافة إلى نشوب 60 حريقاً في بنايات مختلفة وخسائر مادية تقدرُ بمئات الملايين من الدولارات.
كل هذا دفع حاكم ولاية مريلاند، حيث تقع مدينة بالتيمور، إلى إعلان فرض لحظر التجوال ونشر الحرس الوطني التابع للولاية للسيطرة على أعمال العنف في المدينة.
وسارعت السلطات إلى امتصاص الغضب الشعبي العارم حيث تم الاعلان في الأول من شهر أيار/مايو، بعد أيام على بداية أعمال العنف، من قبل المدعية العامة في الولاية عن إحالة ستة ضباط شرطة إلى المحاكم بعد توفر أدلة جرمية ضدهم.
وشهدت الولايات المتحدة العديد من الاحتجاجات العنيفة في عدد من الولايات منها الاحتجاجات العنيفة في مدينة فيرغسون في ولاية ميزوري عام 2014م والتي أدت إلى تحقيق فيدرالي وإجراءات تهدف لإصلاح نظام الشرطة وغيرها من الاجراءات الحكومية استجابة لتظاهرات سلمية تحولت لأعمال عنفٍ جذبت أنظار العالم.
أما في العالم العربي، فالاحتجاجات السلمية التي تحولت إلى أعمال للعنف كثيرة والامثلة عنها لا تزال حاضرة في الذاكرة.
- العراق عام 2013:
شهد العراق احتجاجات سلمية متعددة بعد عام 2003. كان من أبرزها احتجاجات عام 2013 والتي تحولت الى اعتصامات مفتوحة لعام كامل في أكثر من محافظة عراقية ابرزها الانبار ونينوى وصلاح الدين.
حاولت الحكومة العراقية إنهاء هذه الاعتصامات بالقوة في نهاية عام 2013، فتحولت الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنفٍ أدت بمجملها، من بين أسباب أخرى، إلى نشوبِ نزاع مسلحٍ استغلته مجاميع إرهابية لتحتل ما يقرب من مساحة ثلث العراق.
الأمثلة العربية كثيرة تبدأ بالعراق مروراً بسوريا والبحرين وصولاً إلى اليمن ومصر وليبيا وغيرهم.
فالاحتجاج السلمي يبدأ قولاً، شعراً ونثراً ونكتةً ثم صراخاً، لينتقل إلى مرحلة الفعل من مظاهرات واعتصامات ومقاطعة اقتصادية ثم إلى فعل احتجاج منظمٍ متكرر، ليصبح مقاومة مدنية. فيتصاعد إلى احتجاجٍ عنيف. وإن لم يجد استجابة فالنتيجةِ حربٌ وانقساماتٌ تهدد كيان البلد ووحدته.
دعوة للنقاش:
يبقى الاحتجاج والاستنكار طبيعة بشرية تعبر عن نفسها بطرق متعددة تتصاعدُ حدتها كلما طال التجاهل، فما هي برأيك أفضل أشكال الاحتجاج وأكثرها تأثيراً؟
شاركنا برأيك في التعليقات أو على صفحتنا في الفيسبوك.
الصورة: متظاهرون يشعلون النيران في مبنى نادي ضباط الشرطة وسط القاهرة/وكالة الصحافة الفرنسية