تكتسب المناهج الدراسية أهمية فائقة في تحديد شكل مستقبل الشعوب، فهي تلعب دوراً أساسياً في صقل شخصية المواطن وطريقة تفكيره. من هنا فإن مسألة احتوائها على مواد تشجع على التطرّف فيها خطر كبير.

وبرأي الباحث شفيع بو منجل، فإن المدرسة "معنيّة بصياغة مواطن المستقبل في أبعاده المختلفة الوجدانية والحضارية والسلوكية، وبتحديد ملامح مجتمع الغد في جوانبها السياسية والثقافية والحضارية والاقتصادية".

ويزيد الباحث في (مركز كارنيغي للشرق الأوسط) محمد فاعور، أن "المدرسة تلعب دوراً رئيساً في زرع أو تغذية اتجاهات الطلبة السياسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية، وفي بناء منظومة القيم التي ترشد سلوكهم شباناً وبالغين".

يعاني النظام التعليمي في معظم الدول العربية من مشاكل كثيرة تؤدي إلى تخرّج أجيال من العاطلين عن العمل. ولكن مشكلة احتواء بعض المناهج الدراسية مقررات تحضّ على التطرّف وعدم تقبّل الآخر صارت مسألة حرجة ولا يحتمل إصلاحها الانتظار كثيراً.

دروس دين أم فصول في الكراهية والعداء؟

مسألة العلاقة بين المواد التي يتعلّمها الطلاب العرب في مدارسهم وبين التطرّف طرحتها الولايات المتحدة الأميركية بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر). وفي السنوات التي تلت تلك الهجمات، ضغطت الإدارة الأميركية بشدّة على بعض الدول العربية من أجل إصلاح مناهج التعليم فيها.

حينذاك، راحت الدراسات تتطرّق بشكل خاص إلى النظام التعليمي السعودي لأن 15 من أصل 19 إرهابياً نفذوا تلك الاعتداءات كانوا سعوديين. وأمام حجم الكارثة، راحت المملكة تعلن عن إجراء إصلاحات لنظامها التعليمي، في إطار تبييض صورتها التي اهتزت في العالم.

ومنذ العام 2004، كانت تخرج أصوات سعودية تتحدث عن إتمام المهمة. ورداً على تلك الادعاءات، أشار تقرير أصدره (مركز فريدوم هاوس) للحريات الدينية عام 2006 إلى أن الكتب الرسمية السعودية المخصصة لطلبة المستويين المتوسط والثانوي في الدراسات الإسلامية لا تزال تحض على كراهية المسيحيين واليهود والمسلمين الذين لا يتبعون المذهب الوهابي.

وبرغم التصريحات التي كانت ترفض الربط الذي أقامه الأميركيون بين المناهج والتطرف إلا أن السعودية أطلقت، تحت الضغط، منذ العام 2002 ورشة إصلاحية لمناهجها التعليمية. وعام 2006، وزّعت السفارة السعودية في واشنطن تقريراً يعرض الجهود المبذولة. وعلى سبيل المثال، ألغت المملكة من "كتاب التوحيد" المخصص للصف الأول الثانوي الفصول التي تتناول حكم الاحتفال بأعياد "الكفار"، حسب وصف "كتاب التوحيد"، وحكم الاستعانة بـ "الكفار" والعمل عندهم والإقامة بينهم، وحكم تقليد "الكفار".

أفكار تتبنى التطرف

تتضمّن مقررات دراسية كثيرة تُدرّس للمواطنين العرب أفكاراً تنمّي ميلهم إلى التطرّف. وليس ضرورياً أن يكون ذلك مباشراً وفجاً، فمثلاً، يهاجم أحد كتب التربية الوطنية والثقافة العامة في الأردن العلمَ الحديث ويقول إنه يبعد الناس عن الدين والإيمان والشرف، ويدمر البيئة. وأيضاً يرد في بعض الكتب الدراسية في الأردن أن "المؤمن القوي هو الأكثر إقداما في الجهاد"، وأن "المسلمين مأمورون بتبليغ الإسلام للناس جميعاً"، وأن الله "يعاقب ترك الأمر بالمعروف بإنزال العقوبة على الأمة، وعدم قبول دعاءها".

وأيضاً، "هناك إلغاء كامل للتاريخ المسيحي العربي قبل الإسلام"، كما اشتكى الأب حنا كلداني، مضيفاً أن المنهاج الأردني، حين يتحدث عن السياحة لا يذكر للطلاب أن آثار جرش تحتوي على كنائس ولا أن موقع بترا فيه 10 كنائس وأن الأنباط الذين بنوه تحوّلوا من الوثنية إلى المسيحية.

في الآونة الأخيرة، وتحت ضغط التهديدات الإرهابية التي صارت تهدّد بعض الدول العربية، راحت تلك الدول تفكّر جدياً في إصلاح مناهجها التعليمية.

ففي شباط (فبراير) الماضي، دعا علماء دين مسلمون في ختام مؤتمر بعنوان "الإسلام ومحاربة الإرهاب"، عُقد في مكة، إلى "مراجعة ما تتضمنه مناهج التعليم في العالم من مضامين خاطئة ومغلوطة عن الإسلام والعمل على تصحيحها".

وفي مصر، وعلى خلفية الاعتداءات التي تشهدها بين فترة وأخرى، شكّلت وزارة التربية والتعليم لجنة لمراجعة بعض المواد في مناهج التربية الدينية ولتعديل النصوص التي تشجع على العنف والتطرف، وذلك في إطار ما أسمته "استراتيجية الأمن الفكري" التي تتعاون فيها مع وزارة الأوقاف ومع الأزهر.

العصافير وأكل لحم الأسير

وصدرت النتيجة قبل مدّة وجيزة حين قررت الوزارة تنقيح مناهج اللغة العربية، وحذف بعض الدروس مثل ذاك الذي يحمل عنوان "ثورة العصافير ونهاية الصقور" وهي قصة تتحدث عن عصافير يقومون في نهايتها بإحراق عدوّهم، وكانت هذه القصة قد أثارت ضجة بعد إحراق تنظيم داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة.

كذلك أُلغيت أجزاء من دروس كتب اللغة العربية التي تروي سيرتي "عقبة بن نافع" و"صلاح الدين الأيوبي". وكان الإعلامي إبراهيم عيسى قد انتقد القصة الأولى معتبراً أنها تروج للجهاد بغزو إفريقيا. وطال الحذف مناهج التعليم الأزهري فألغيت مقررات فقهية مثل "أكل لحم الأسير"، وهي مادة أثارت ضجة قبل فترة بعد مهاجمة البعض لها لأنها تُجيز أكل لحم "الكافر" في "حالة الضرورة".

قد يكون إلغاء بعض الدروس خطوة إيجابية، ولكنها تتم بطريقة متسرّعة. فبالإضافة الى الامتناع عن تعليم التطرّف، يجب تعليم التسامح، وهذا ما لم يحدث بعد. وقد اعتبر أستاذ التربية والمناهج الدراسيّة في مصر كمال مغيث أن "الدولة (المصرية) تعاملت مع الأمر على عجلة في إطار الحرب الشرسة التي تواجهها". وقال "من الأولى على الدولة أن تضع مناهج دراسيّة تؤكّد مفاهيم المواطنة... وحقوق الإنسان".

وإضافة إلى ما يرد مباشرةً في المناهج، هناك مشكلة أخرى تحدث عنها الخبير التربوي الأردني ذوقان عبيدات، لافتاً إلى أن هناك منهاج خفي "هو ما يزرعه المعلمون بطلبتهم من آرائهم وثقافتهم الخاصة، في ظل غياب الرقابة".

ولكن تبقى المشكلة التي لخصها الكاتب المغربي علي أنوزلا بقوله "إن الحاجة إلى الديمقراطية تمر حتماً عبر إصلاح المناهج التعليمية، لكن إصلاح هذه المناهج لا يمكن أن تقوم به سوى أنظمة ديمقراطية، ولن يكتب له النجاح، إلا إذا توفر له المناخ الديمقراطي الذي يعزز قيم المواطنة الحقيقية".

الصورة: أطفال في طريقهم إلى المدرسة وسط ظروف قاسية/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.