خلال الحراك المدني المستمر في لبنان، حفلت مواقع التواصل الاجتماعي وصحف مصرية بأخبار عن مشاركة النساء في المظاهرات. وسادت تعليقات لا تخرج النساء من إطار الشكل الخارجي، كأنّ المرأة لا يسعها أن تكون جميلة وتطالب بحقوق مجتمعها المدنية. إستفزت هذه الرؤية عدداً كبيراً من الناشطات والناشطين اللبنانيين وأثارت حتّى انتقادات مصريين آخرين.
ودفعت التعليقات الناشطة اللبنانية عصمت فاعو إلى نشر فيديو ترد من خلاله على "التعليقات الذكورية في وسائل التواصل الاجتماعي في البلدان العربية ضد نساء لبنان".
وتضامن الإعلامي المصري باسم يوسف مع اللبنانيات اللواتي طالتهن تعليقات مسيئة، بعد مشاركتهن في انتفاضة شعبية بوجه الفساد في بلدهن. وغرّد يوسف عبر حسابه الخاص على (تويتر) "كل الاحترام و التقدير لأخواتنا في لبنان. فيديو عن التعليقات السيئة على الاحداث. لخص ما كنت افكر فيه".
إحباط من الثورات
يقول الكاتب المصري إبراهيم فرغلي عن هذه التعليقات "الحقيقة الظاهرة غير مفهومة ولها علاقة أساساً بالتمدد السلبي لظواهر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي اليوم في كل شاردة وواردة حول الشأن المحلي أو حول بعض الشؤون الخارجية بشكل أصبح يستخدم الطرفة، والاستخفاف كشكل من أشكال معارضة السلطة القائمة، أو نقد الممارسات الحكومية، ثم امتدت لتناول ظواهر عدة في المجتمع المصري".
ويضيف "ما قام به الأفراد أو الجماعات في مصر من الاستخفاف بوجود فتيات وسيدات لبنانيات في التظاهرات اللبنانية وهن يرتدين ما يحلو لهن، كاشف أيضا لمدى تغلغل الذكورية في المجتمع المصري وبين الكثير من المحسوبين على التيار الثوري إلى جانب قطاع واسع من المجتمع المصري. وهو في الحقيقة، في تقديري من جهة أخرى يعكس الإحساس بالإحباط بسبب المسار السياسي الذي جاء مخيبا لأحلام الثوار من دون أن يتبينوا الأخطاء الكارثية وفقدان القدرة على التخطيط أو إدارة العمل الثوري، وانقلب إحباطهم سبا أو سخرية من المجتمع والسلطة، وها هو الآن يمتد لظاهرة ثورية جديدة في الشارع العربي".
يؤكد فرغلي كذلك "وجود إشكالية في الذهنية العامة تتعلق بتقبل جسد المرأة كفرد حر، سواء عبر التحرش الذي أصبح ظاهرة غير مسبوقة ومقلقة، أو عبر اضطرار الكثير من السيدات في المجتمع المصري لمزيد من التحشم تجنبا لسخافات الكثير من الممارسات الذكورية الشائنة".
ويشير إلى أن هذه الممارسات تظل استثناء، مهما اتسع نطاقها. مضيفًا "أظن أن وسائل التواصل الاجتماعي تحث الكثيرين على استمراء سخافتهم ليس في الشأن اللبناني فقط، بل في شؤون عديدة".
بين الجنون والإحباط
مع تقدّم الثورات العربية، برزت أيضًا ضرورة لإعادة مساءلة المفاهيم الاجتماعية وإصلاح ليس فقط نظرة الرجل إلى المرأة بل أيضًا مساءلة نظام العدالة الاجتماعية القائم وبنية الأسرة ودور الرجل والأب كأكثر من معيل مادّي.
ويبرز الإصلاح الاجتماعي كأحد أهم أوجه نجاح الثورات، على الرغم من عدم القدرة على تحقيق إنجازات كبيرة في هذا المجال. وبحسب الكاتبة والباحثة الأردنية منى الشرافي تيم إن "الحجر الأساس الذي نمى عليه الفكر المتطرف الذي أدّى إلى انتشاره كالخلايا السرطانية في معظم البلدان العربية هو غياب الإصلاح الاجتماعي، وغياب أبسط مقومات الحياة، التي تؤمن للفرد العيش بكرامة".
تقول الشرافي إنّ "التطرف لا يخرج إلا من رحم القهر والانهزامية والتبعية والخوف والرضوخ والفقر. فماذا يفعل الشباب الذين إن تعلّموا لا يجدون وظيفة، وإن كانوا محظوظين ووجدوا الوظيفة، فلن تكفيهم قوت يومهم، وستقتل أحلامهم قبل أن يحلموا بها".
وتضيف "هنا سيجد الشباب أنفسهم في مواجهة مع ما هو متاح. وهنا يصبح من السهل وقوعهم في براثن من يملكون أجندات وسياسات خبيثة، فتتم عمليات غسل أدمغتهم، وزرعها بالأفكار الغريبة والمتطرفة، التي تتمثل في عمليات التنويم المغناطيسي العقائدي دون أن يشعروا بذلك، فيوهمونهم بأن في موتهم كل الحياة من خلال تنفيذهم الجرائم الوحشية الدموية ضد المواطنين الآمنين".
تغيير المفاهيم
تشير تيم إلى أنّ "أبرز المفاهيم الاجتماعية التي تحتاج إلى التغيير هي مفاهيم الخوف والتبعية والانهزامية والغرائزية وتأليه الرئيس والسيد والزعيم". تقول إنّ "خطاب ساسة اليوم يقوم على مبدأ واحد وحيد وهو نفث سموم النعرات الطائفية والمذهبية التي تؤجج عواطف التناحر والكره والحقد والبغض بين الناس. ويبتلعها أصحاب النفوس الضعيفة على أنها عسل، فيقتل الأخ أخاه ويتأجج العداء".
البداية من الأسرة
وفي مواجهة كل هذه الضغوط الاجتماعية، يتضخّم دور الأسرة أو "البيت الصغير" لتهيئة الأبناء للتمييز بين ما هو أخلاقي وما هو غير ذلك. تؤكّد تيم أنّ "الإصلاح الاجتماعي يبدأ من البيت، وذلك من خلال زرع بذور الاستقلالية والكرامة وتحكيم العقل لا الغريزة".
وتتابع "يتوسع الإصلاح حين يتعلم المواطنون العرب أن أوطانهم لهم ومن حقهم، وأن حكامهم وقادتهم وساستهم وأنظمتهم كلها من اختيارهم، جلسوا على عروشهم بإراداتهم ولخدمتهم، وتيسير أمورهم، والنظر في أحوالهم، وحفظ كراماتهم".
إصلاح الإعلام
وبما أنّه السلطة الرابعة والمنبر الذي يُفترض أن يعكس آراء الناس وهمومهم ومشاكلهم الاجتماعية وثقافتهم، فللإعلام أيضًا مسؤولية تجاه المجتمع وأفراده. وهو بحسب فرغلي يلعب حاليًا دورًا مسيئًا أكثر من كونه إصلاحي، ويتحمّل مسؤولية ظهور ثقافة الاستهزاء من قبل البعض خلال مظاهرات لبنان الأخيرة.
يقول فرغلي "الإعلام المصري المهتم باستضافة النماذج الفضائحية من السياسيين والفنانين والشعبويين على حساب النماذج المضيئة من أصحاب القيمة والقيم له دور في سيادة مثل هذه المفاهيم المختلة، وعدم انضباط الشارع المصري له دور في شيوع مثل هذه الظاهرة، وغياب الثقافة الحرة التي يمكنها أن تناقش مفاهيم التحرر والمدنية مقابل شيوع برامج تغييب العقل وصراع الديوك حول شؤون تافهة وسخيفة وظهور رموز إعلاميين لا يليق بهم أصلا الظهور على الشاشات له دور كبير".
ويضيف "والحل لا يمكن أن يتم من غير ضبط الأداء الإعلامي وعمل مواثيق إعلامية جديدة تحترم الجمهور لكي تعيد النظر في القيم المختلة التي تنشرها في المجتمع الملتاث بسبب أزمات متتالية عديدة".
صورة: لبنانيات يتظاهرن ويرفعن اللافتات في بيروت/وكالة الصحافة الفرنسية