تفخرُ تونس بأنها أول بلد عربي يكتب دستوراً وأنها الأولى في "الربيع العربي"، وأن تجربتها في تغيير النظام هي الأكثر استقراراً بين الاشقاء والجيران.

كُتبَ أول دستور تونسي وعربي في عام 1861 ليؤسس لدولة ملكية. ثم تلاه دستور الجمهورية التونسية الذي أقر في عام 1959، بعد ثلاث سنين على نيل الاستقلال.

تم تعديل دستور 1959 خمس مرات خلال الاعوام 1988، 1999، 2002، 2003، 2008.

وبعد نجاح الثورة التونسية عام 2011 تم إعداد دستور جديد أقر عام 2014.

وللحوار حول رحلة الدستور التونسي تحدث موقع "إرفع صوتك" مع أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد الذي أشار إلى ندرة التجربة التونسية بين التجارب العربية وأن الدساتير التونسية تم العمل بها لفترة طويلة مثل دستور 1959.

وقال إن "دستور 1959 أقر النظام الجمهوري وأن هذا المبدأ غير قابل للمراجعة". وأضاف بلعيد أن الدستور احتوى على حقوق واسعة للمواطن وللمرأة، وهو ما تتميز به تونس عن غيرها. غير أن التطبيق لم يكن دائماً مطابقاً للنص.

النص وكيفية التطبيق: أهمية متساوية

بلعيد يرى أن النص الدستوري وحده لا يكفي وأن كيفية تطبيق الدستور تساوي أهمية النص الدستوري. فقال عن دستور عام 1959:

https://soundcloud.com/irfaasawtak/alsadiq-1/s-HfqEL  

وأضاف بلعيد أن منذ نهاية السبعينيات بدأ احترام حقوق الانسان يقل حتى وصل إلى أقل مستويات الاحترام وأكثرها خرقاً في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. ووصفها بـ "الصفحة السوداء" في تاريخ البلاد التونسية. 

وتطلب إعداد الدستور الجديد قرابة الأربع سنوات من الشد والجذب والنقاش بعد تغيير النظام ونجاح الثورة التونسية عام 2011 ورحيل (بن علي) عن السلطة. وترَكّزَ العديد من النقاش حول دور الدين في السياسة.

التطرف الديني و"الليبرالية الحكيمة"؟

يقول بلعيد إن الدستور الجديد تقدم في بعض المواد وتأخر في أخرى، وإن هناك عيوباً مبطنة لا يُعرفُ تأثيرُها الآن، فقال:

  https://soundcloud.com/irfaasawtak/alsadiq-2/s-pusYW

وأُقرّ الدستور التونسي بتوافق كبير، وهو من العوامل المهمة لتوحيد البلاد ومواجهات التحديات المختلفة مثل التطرف. وقال بلعيد إن التطرف الديني في البلاد موجود لكنه ليس بالثقل الذي يجعل منه طريقة حياة للشباب في تونس. وبين أن الاوضاع التي تعيشها البلدان المجاورة مثل ليبيا لها تأثير كبير على الوضع في البلاد.

وقد وضع الدستور التونسي العديد من المواد لمعالجة الوضع الاقتصادي معتمداً على الاقتصاد الخاص وما وصفه الليبرالية الحكيمة. لكن "لا يكفي أن تضع أجمل نص دستوري" حسب بلعيد. ولكن يجب النظر إلى طرق التطبيق والظروف المحيطة التي تعيشها البلاد.

ويرى بلعيد أن الدستور التونسي الجديد تميز بثلاث محاور، المحور الأول المتميز هو اعتبار حقوق المرأة جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان مما يجعلُ منها حقوقاً أصيلة لا يمكنُ تجاوزها. والمحور الثاني المتميز هو اعتماد مبدأ الديمقراطية التشاركية وليس التمثيلية، فقال:

https://soundcloud.com/irfaasawtak/alsadiq-3/s-cKJ2k

وقال إن المحور الثالث المتميز هو تأسيس محكمة دستورية عليا، وليس بصفتها الاستشارية، مهمتها رعاية الدستور ومراقبة تطبيقه وهي تجربة جديدة في تونس.

وعن ترجمة النصوص الدستورية إلى قوانين، قال إن هذه النصوص جرى ترجمة بعضها إلى قوانين مثل مؤسسة الانتخابات ومؤسسات أخرى يجري إعداد قوانينها من بين ثمان مؤسسات أخرى نص عليها الدستور الجديد.

دعوة للنقاش:

شاركنا برأيك في التعليقات حول رحلة الإصلاح في تونس دستوريا والاستحقاق الإنتخابي في عام 2016. وهل تبدو تلك الرحلة حلاً موضوعيا لمشكلة التطرف والتشدد؟

شاركنا برأيك في التعليقات أو على صفحتنا في فيسبوك.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".