هناك من يصفهم أنهم يمثلون مفارقة كاملة، بل هم "بناة نادرون في وطن منذور بأكمله للهدم". فيما هم يصفون عملهم أنه قد يبدو غير مؤثر ولكنه "صفعة في وجه الوحش"، في اشارة الى وحش اليأس والفساد في العراق.
"لكننا لم نستسلم على اقل تقدير ورغم الألم.. نبتسم"، حسب قول الصيدلاني زيد خورشيد، أحد متطوعي فريق "بناة العراق".
الفريق يتكون من متطوعين، "مجموعة من الأطباء، الصيادلة، المهندسين، الطلاب،رجال الأعمال، الكسبة، وغيرهم الكثير من أطياف الشعب العراقي، قرروا معاً أن يقفوا لمساندة العوائل الفقيرة ضد الفقر وصعوبات الحياة"، كما يذكر موقعهم الإلكتروني. يدورون على مدن العراق لمساعدة الفقراء ومن لا يستطيعون تمويل مشاريع صيانة أو بناء منازل لهم ولعوائلهم، ليقوم أعضاء الفريق بتنفيذ هذه الأعمال بدلا عنهم، بجهود فردية.
خورشيد، الذي يحبذ تعريف نفسه على أنه "ناشط في مجال حقوق الفقراء"، يقول لموقع (إرفع صوتك) "البطالة هي إهانة اجتماعية بحق كل إنسان لا يجد فرصة عمل حقيقية، و بالنتيجة لا يستطيع العاطل عن العمل أن يعاتب مجتمعا كاملا".
وحذر خورشيد من تبعات الشعور بهذه "الإهانة"، وأضاف "ذلك الانسان يقف حائراً، و يتقاطع في داخله شعور بمواجهة كبيرة بين متطلبات الحياة الملحة وبين إمكانياته المنهارة، صراع يستمر لحين الانفجار لان كفتي الميزان يجب ان تكون متعادلة او يسعى الانسان في الحياة لمعادلتها، وهنا سيكون في مفترق طرق اما ان يرى حياته تنهار امامه او ينحرف و يدخل معترك الجريمة".
سقف لمن لا سقف له
مثلما هناك من يسمي نفسه "صوت من لا صوت له" في إشارة إلى تطوعه في الدفاع عن الأغلبية الصامتة، كان فريق "بناة العراق" يقدم دون مقابل، سقفا بل سقوفا لـ" من لا سقف له"، وهو ما يشد أزر أعضائه ويزيدهم عزما.
وفي موقع الفريق على الانترنت، نتابع مؤشرات "ترميم وصيانة بيوت الفقراء". ومن بين الجهود التي تمت أعمال صيانة وإصلاح لبيوت العوائل المتعففة، حيث تم تسقيف وبناء وترميم أكثر من 90 بيتاً حتى الآن. على النحو التالي: أكثر من 60 في بغداد، 20 في الناصرية، وبيت في كل من البصرة والنجف في العمارة، و7 بيوت في السماوة. وهو ما يكشف سعة الجهود المبذولة في هذا المشروع التطوعي الخيري.
ومن القصص المؤثرة عن إنجازات طاقم الفريق، يقول خورشيد "أذكر هنا مثالاً، فأبو أمين المعاق بشلل الاطفال و صاحب أربعة أطفال يسكن في حي فقير جداً. وبسبب البطالة والفقر المدقع استسلم لعربة يجرها حمار وجمع العلب المعدنية ليبيعها. وبسبب إعاقته اضطر أولاده الصغار لترك صفوفهم الدراسية والإلتحاق به للعمل وتأمين مبلغ يقارب الـ 15 دولارا يوميا كي يكسبوا لقمة يعيشون منها جميعاً".
المكسب الحقيقي
ويزيد خورشيد في قصته عن البطالة والحرب ضدها، "بفكرة بسيطة من الشباب، تعاونا واستطعنا أن نرمم منزله ونجمع مبلغا و نشتري أول خطوة لدفعه إلى الأمام، وهي محرك للعربة ذاتها. فبدأ يعمل بها وحده، و بدأ بنقل حاجيات الناس في السوق الذي لا تدخله السيارات. و بذلك استطعنا إعادة أطفاله إلى صفوف الدراسة".
ومع استمرار أبو أمين في العمل، ازداد دخله اليومي وبدأ يوفر منه، حتى أنه و بعد سنة و نصف استطاع أن يشتري عربة أخرى بدأ ابنه الأكبر بالعمل عليها ايضاً.
"وبعد أن كان أبو أمين إنسانا محطما"، حسب قول خورشيد، "ازدادت ثقته بنفسه وازداد إصراره رغم الإعاقة لمقارعة الحياة. و هذا هو المكسب الحقيقي بالنسبة لي" .
التضامن الانساني يساعد على الإبتكار
ولأن التضامن الإنساني فكرة أخلاقية، فهي تحرض معتنقيها على الابتكار في وسائل العمل وتنشيط مجالاته، ففي صفحة الفريق على الفيسبوك، نتابع إنجازات أخرى، كتوزيع القرطاسية والملابس على الأطفال في مناطق فقيرة، وحملة "#اشتري_صحتك"، التي نظمها "الفريق الطبي لبناة العراق" في أحد المراكز التجارية في بغداد. وحققت الأهداف المرجوة منها، حسبما ذكر على صفحة فيسبوك، حيث تم جمع مبلغ 989000 دينار عراقي يخصص لمساعدة المرضى من الأيتام و الفقراء.
*الصورة: زيد خورشيد (من فريق بناة العراق) مع أبو أمين بعد ترميم بيته و عقد شراء المحرك في يده ليبدأ حياة جديدة