لا يمكن الحديث عن التطرف والإرهاب دون استحضار العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تكون أحياناً حاسمة في إشعال فتيل العمليات الانفجارية وتحويل واقع معيشي صعب إلى قنبلة موقوتة.
هذا ما تؤكده أمثلة وحالات كثيرة، بينها التفجيرات الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء المغربية في 2003 بعد أن أكدت تحقيقات الشرطة والجهات الأمنية أن منفذيها الثمانية ينحدرون من حي (سيدي مومن) الفقير بالمدينة، حيث تشيع مظاهر التهميش والإقصاء الاجتماعي وترتفع معدلات البطالة.
وعن هذه العلاقة بين البطالة والأوضاع الاجتماعية الصعبة في الأحياء الهامشية المحيطة ببعض المدن، وبين اعتناق الفكر المتشدد والقيام بعمليات إرهابية، يؤكد الأكاديمي المغربي إبراهيم المراكشي في كتابه "كيفية صناعة إرهابي" أن الجانب الجغرافي في العمل الإرهابي لا يقل أهمية عن باقي العوامل التي خضعت للدراسة والتحليل.
ويوضح المراكشي أن "الأماكن والأحياء التي يرتادها الإرهابيون تسلط الضوء على انتماءاتهم وهوياتهم الاجتماعية". وهو ما يتقاطع مع تجربة إرهابيي حي (سيدي مومن) بالدار البيضاء، فأبناء هذا الحي الفقير يعيشون أوضاعا اجتماعية واقتصادية صعبة بسبب البطالة وانسداد الأفق، الأمر الذي يجعلهم فريسة سهلة لمروجي الخطاب المتطرف.
ومن خلال دراسة حالات هؤلاء الإرهابيين الذين خرجوا من الحي الهامشي، تبين للمراكشي أن أغلبهم ينحدرون من أسر فقيرة، بل معدمة، وأنهم يمتهنون مهناً صغيرة بالكاد تسد الرمق، مثل بيع السندويتشات أو حراسة السيارات ليلا.
وأضاف "العديد من أسر هؤلاء الشباب الذين تورطوا في العمل الإرهابي وفدوا إلى المدينة الكبيرة في سياق ما يعرف بالهجرة القروية، حيث تركت العديد من الأسر موطنها في الأرياف لتستقر في الأحياء الفقيرة المحيطة بالمدن الكبرى".
وأكد المراكشي "إن ضيق الأفق بالنسبة لهؤلاء الشباب وصعوبة تحسين أوضاعهم جعلهم لقمة سائغة في أيدي محترفي الخطاب المتشدد الذين يبرعون في غسل أدمغة شباب غالباً ما تكون ثقافتهم الدينية بسيطة، ما يجعلهم غير مؤهلين لمقاومة عمليات الأدلجة والاستقطاب التي يقوم بها شيوخ التطرف الديني ومروجو الخطاب المتشدد".
البطالة بلغة الأرقام
ويحذر الباحث الأميركي روبرت لوني، من جانبه، في مقال بمجلة الفورين بوليسي، من ارتفاع معدل البطالة في المغرب وارتباطها بالتطرف والإرهاب. إذ "تكشف الأرقام المرتبطة بالبطالة في المغرب عن واقع مثير للقلق، لا سيما بطالة الشباب التي قاربت 20 في المئة وأكثر من ذلك لدى الفئات التي تقطن المدن، حيث فاقت نسبة البطالة بينهم 39 في المئة. وهذا التهميش الذي تشعر به شريحة واسعة من الشباب المغربي هي بمثابة برميل بارود قابل للانفجار في أي وقت".
واللافت أن توزيع معدلات البطالة بين الشباب، كما يشير كاتب المقال، تطال على نحو خاص الفئات المتعلمة من حملة الشهادات العليا. "فمن نسبة 4.5 في المئة بين صفوف العمال غير المهرة، إلى 21.7 في المئة لدى نظرائهم من حاملي شهادات مهنية متوسطة، ليقفز الرقم إلى 24.6 في المئة من الحاصلين على شهادات جامعية عليا".
لذا ينبه الباحث المغربي إبراهيم المراكشي إلى ما يسميه "تأثير المكان والجغرافيا" على تشكيل شخصية الإرهابي. فالبطالة والوضع الاجتماعي المتردي مرتبطة أكثر بأماكن بعينها، مثل "هوامش المدن الكبرى وأحيائها الفقيرة التي تنعدم فيها أبسط شروط الحياة الكريمة لتتحول، في ظل غياب الدولة، إلى معاقل حقيقية لتفريخ التطرف ومشاتل خصبة لاستنبات الإرهاب".
*الصورة: "الأماكن والأحياء التي يرتادها الإرهابيون تسلط الضوء على انتماءاتهم وهوياتهم الاجتماعية"/وكالة الصحافة الفرنسية