جنى فواز الحسن

في تقرير صدر مؤخراً عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" حول تجنيد التنظيمات المتطرّفة للأطفال، يتحدّث أحد المقاتلين اليافعين عن حيازته للسلاح وتقاضيه المال. يتحدث بشغف كما لو أنّه وجد كينونة ما في شخصية المقاتل. لا يدرك المراهقون والأطفال خطورة هذه الهوية، لكن ربما لغياب الاحتمالات الأخرى، يظنون أنفسهم في لعبة ما.

رواتب داعش للأطفال

يذكر التقرير عدّة أسباب لانضمام الأطفال إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، من بينها العيش في مناطق مفتوحة على المعارك تغيب فيها المدارس. ويشير التقرير أيضاً  إلى أنّ البعض انضموا متّبعين خطى أقرباء أو أصدقاء. ويضيف أنّ تنظيم داعش وفّر العظات والدروس المجانية والتدريبات العسكرية لتوظيف الأطفال وحملهم على الانضمام لصفوفه.

بحسب التقرير، يتقاضى بعض الأطفال في تنظيم داعش رواتب تصل إلى 135 دولار أميركي شهرياً، وهو مبلغ مغرٍ في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. وتبلغ رواتب الراشدين حوالي 200 دولار أميركي شهريا. البدل المالي أقلّ في تنظيمات أخرى، كتنظيم "أحرار الشام" الذي يدفع للمقاتلين مبالغ تتراوح بين 47 و100 دولار أميركي.

شاهد عيان من الداخل السوري

منذ ستّة أشهر، كان الناشط المدني السوري محمد النسر لا يزال يتنقل في ريف حلب ومناطق أخرى سيطرت على بعضها التنظيمات المتطرّفة كداعش وجبهة النصرة قبل أن يغادر سوريا إلى ألمانيا. وقد واكب صعود هذه الجماعات في بلاده بمختلف المراحل.

يروي محمد في حديث لموقع (إرفع صوتك) "في البداية، كان عنصر الجذب الأساسي هو المادّة أيّ المال. كان ذلك قبل إعلان الدولة الإسلامية من قبل داعش في مناطق سورية. استغلّت الجماعات المتطرّفة آنذاك الحصار المفروض على الجيش السوري الحرّ وغياب الموارد المادية لدى هذا الجيش وعرضوا على مقاتليه رواتب شهرية بمعدّل مئتي دولار أميركي شهرياً. لم يكن المنضمون إليهم من الجيش الحرّ آنذاك مدركين أنّ لهذه التنظيمات أهداف ومطامع للوصول إلى السلطة في سوريا".

بحسب محمد، بعد تجنيد هؤلاء المقاتلين، قام كل من تنظيمي داعش والنصرة بإنشاء مدارس تابعة لهما والترويج لخطابهما الديني والإيديولوجي. وفي مرحلة لاحقة بعد ازدياد عددهم وامتداد نفوذ كلّ منهما على مناطق معيّنة، بات لكلّ منهما أسلوبه في الجذب وتضاربت مصالحهما.

يقول محمد إنّ بعض الأساليب التي اتّبعها تنظيم داعش لجذب السكّان مثلا على مبايعته كانت مرتبطة بالمال. "مثلا بعد الاستيلاء على المستشفى الحكومي في الرقّة، أجبر التنظيم كل الأطباء على العمل ليومين أسبوعياً في المستشفى وكان يدفع أجورا للأطباء الذين بايعوا التنظيم بينما حجب المال عن غير المبايعين وفرض عليهم العمل بالسخرة كي يضغط عليهم ويجبروهم على المبايعة".

وفي العراق...

الوضع ليس أفضل في العراق، فداعش مستمر باستغلال الحالة المعيشية الصعبة والفقر في المناطق التي يسيطر عليها لتجنيد الأطفال للقيام بأعمال إراهابية لحسابه، لكنّ الأجور والرواتب قد تكون أعلى. فبحسب الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي، يتقاضى المقاتل في صفوف داعش بحدود 600 دولار أميركي شهرياً ويدخل في ما يسمّيه التنظيم "نظام الكفالة"، وبالتالي يتقاضى المقاتل 75 دولار أميركي إضافي للزوجة و50 دولار أميركي عن كلّ طفل إن كان ربّ أسرة. كما يضمن له نظام الكفالة العلاج الطبي وبدل النقل.

يقول الهاشمي في حديث لموقع (إرفع صوتك) "المقاتلون الذين ينضمّون إلى داعش لأسباب ماديّة هم في الغالب من المحليين العراقيين، وهؤلاء من يزجّهم التنظيم في المعارك المباشرة ويستنزف قوّتهم". ويضيف "أمّا المنضمون من المقاتلين الأجانب، فاختيارهم لهذا التنظيم بالتحديد قد يعود في أحيانٍ كثيرة إلى الإغراءات المتعلّقة بالزواج، والجنسيات الأجنبية المعنية هنا هي تونس والجزائر وموريتانيا والسودان".

منظومة جذب متكاملة

الإغراءات المادّية والموارد متوفّرة للجماعات المتطرّفة، لكن بحسب الخبير في شؤون الحركات الإسلامية اللبناني أحمد الأيّوبي "هي جزء من منظومة متكاملة معدّة لجذب الشباب".

يُدرج أحمد الخطاب الديني السياسي ومستوى العدل في الأنظمة القائمة ونسبة الديموقراطية ضمن العوامل المؤثّرة في هذه المنظومة. ويقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "المردود المادّي المعروض على الشباب لا يكفي وحده. وفي استهدافها للمناطق الفقيرة، تحاول الجماعات المتطرّفة إثارة الإحساس بالمظلومية ضمن هؤلاء الشباب والشعور بالقهر. بالتالي هناك تهيئة نفسية كذلك، بعض هؤلاء الشباب يتوجّه للموت والعمليات الانتحارية وبالتالي لا قيمة للمادّة هنا فهو قد لا يكمل حياته".

يضيف أحمد أنّ التنظيمات المتطرّفة ترى في البيئة الفقيرة استثمارا أنجع "حيث يستطيعون حصد أعداد كبيرة من الشباب في أحزمة البؤس والأحياء الفقيرة في وقتٍ قصير. هذا ليس الحال في المناطق الغنية أو عند استهداف الأثرياء والأسلوب الذي ينتهجه المتطرّفون مختلف هنا".

يشرح أحمد أنّ "نسبة الشباب المتعلّم أعلى في البيئة الميسورة الحال وبالتالي ليس من السهل إقناع هذه الفئة بخيار التطرّف، كما أنّ الظهور العلني والعمل العلني للمنتمين إلى هذه الفئة غير متوفّر في كل الظروف. لذا يعتمد الاستقطاب هنا على خطابٍ آخر يتمثّل في تشجيع العطاء والتضحية في سبيل الإسلام بدل محاولة جني المكاسب من التشدّد الديني. تعمّم الجماعات المتطرّفة في هذه البيئة نظرتها العامّة للحياة أو ما يسمّونه بنكد الحياة ومصاعبها ويلجؤون إلى فكرتهم بأن لا راحة للمؤمن إلّا في لقاء ربّه. وبهذا يقنعون الأغنياء بالتخلّي عن الترف الدنيوي لصالح الآخرة".

المال في الدرجة الثانية؟

من جهته، يعتبر الخبير العسكري واللواء المتقاعد الأردني عبد الجليل معايطة أنّ "سرّ قوة الجماعات المتطرّفة لا يكمن في الإغراءات الماديّة، بل في الممارسات الخاطئة التي استهدفت الإسلام المعتدل فأتى التطرّف الديني كردّ الفعل على تهميش الإسلام سواء من قبل الغرب أو بعض الأنظمة القائمة في الدول العربية".

ويضيف معايطة في حديث لموقع (إرفع صوتك) "برأيي، تأتي الإغراءات الماديّة في الدرجة الثانية، بالإضافة إلى أوجه أخرى تدفع الشباب إلى التطرّف من ضمنها غياب الخيارات والتوجّهات للمستقبل والبطالة وما إلى ذلك... لقد وظّفت هذه التنظيمات قدراتها حيث نقاط الضعف في مجتمعاتنا سواء المادية أو حتّى المعنوية".

*الصورة: "لقد وظّفت هذه التنظيمات قدراتها حيث نقاط الضعف في مجتمعاتنا سواء المادية أو حتّى المعنوية"/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".