في العراق، البطالة إحدى المشاكل التي يواجهها المجتمع ويعيش تبعاتها يوميا. فمع تعدد الأسباب المعروفة للبطالة، ومنها غياب التنمية وانتشار الفساد وفشل البرامج الحكومية في تحقيق التقدم الاقتصادي الذي يضمن توفير وظائف جديدة، جاء الإرهاب ليزيد من أعداد العاطلين عن العمل في البلاد، بعد أن استهدفت هجمات الإرهابيين المصانع والشركات والمصالح الحكومية والأهلية على حد سواء.
وحسب تصريح وزير العمل والشؤون الاجتماعية في العراق، وصلت نسبة البطالة في البلد إلى 46 بالمئة.
نينوى .. بين البطالة والإرهاب
محافظة نينوى، ثاني أكبر محافظات العراق سكاناً. اشتهرت باسم (أم الربيعين)، كانت مقصداً للكثير من المشاريع السياحية والصناعية والتجارية والزراعية.
لكن هذا كله تغير بعد ازدياد العمليات الارهابية في المحافظة وسيطرة الجماعات الإرهابية، كالقاعدة وبعدها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". فعانت الشركات والمصالح المختلفة من تهديدات أجبرتها على دفع مبالغ مالية شهرية (أو "خاوة" كما يسميها العراقيون) لدفع الأذى عن العاملين، فضلا عن قتل العديد من العمال من طوائف مختلفة. فاضطر العديد من هذه المصالح لمغادرة المدينة.
ففي عام 2007، أقدم إرهابيون على قتل 24 عاملاً ايزيديا عند مغادرتهم معمل نسيج الموصل في جريمة مروعة. وأجبر العشرات غيرهم على ترك عملهم بعد تهديدهم بالقتل، لينضموا لجموع العاطلين عن العمل.
وفي عام 2010، تم تهديد 30 عاملة مسيحية بالقتل إن لم يتركن العمل في معمل نسيج الموصل، فتركنه خوفاً من تكرار ما حدث للعمال الأيزيديين. فتم إغلاق الخط الانتاجي واضطرت الحكومة العراقية لافتتاح خط انتاجي آخر عام 2013 قرب القرى المسيحية المؤمنة نسبيا، حيث يستطيع العمال ممارسة أعمالهم.
وفي عام 2013، أعدم إرهابيون أكثر من 14 سائق شيعي بعد ايقافهم أحد الطرق العامة في محافظة نينوى. وأضيف لفداحة الجريمة خسارة العديد من السائقين لمصدر رزقهم، بعد تركهم العمل خوفاً من المرور على هذه الطريق.
وبعد سقوط مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، بيد تنظيم داعش، خسر الآلاف وظائفهم وأعمالهم بسبب إغلاق مصانع الإسمنت والأدوية والنسيج والكبريت، بالإضافة الى سيطرتهم على عدد من الأراض الزراعية التي كانت مصدر رزق للكثير من أبناء المحافظة، وغيرها الكثير من مصادر الوظائف الحكومية والخاصة مثل معامل الخياطة والحدادة والنجارة ومصانع مواد البناء والمناطق الصناعية الكبيرة.
بلا سبب
أحد أبناء نينوى، وهو مسيحي اختار لنفسه اسم سامان القوشي، شاهد أخاه وهو يقتل أمامه لأنه رفض إغلاق شركته التجارية الصغيرة وسط الموصل عام 2008.
وقال سامان "غادر أخي الشركة، وبعد دقيقة، سمعنا صوت اطلاقات نارية فركضنا، فرأيته ممدداً يسبح بدمائه. لا لذنب سوى انه كان يعمل وكان يوظّف الكثير من الناس".
سامان لم يستطع الاستمرار بالعمل في الشركة. "أغلقنا شركتنا التي كانت توظف أكثر من 16 موظفاً، وكلهم أصبحوا بلا عمل".
يقول وهو يتذكر بحسرة "لو بس أعرف ليش؟ دماء تسيل بلا سبب وناس تخسر رزقها بلا سبب".
أينما تجد البطالة ستجد الإرهاب
وحول العلاقة بين الإرهاب والبطالة، وتأثير أحدهما على الآخر، يقول المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق عمار منعم في اتصال هاتفي مع موقع (إرفع صوتك) إن الرابط بينهما "وثيق".
"الإرهاب والبطالة آفتان متلازمتان"، حسب قول منعم. "أينما تجد البطالة ستجد الإرهاب. وبالعكس حيثما ينتشر الإرهاب ستنتشر البطالة. وفي الحالتين سينتشر الفقر وهو ما يؤدي إلى تجمعات سكانية فقيرة وغاضبة مدفوعة باليأس".
ويشرح منعم كيف يشكل هؤلاء العاطلون منجماً يقوم برفد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، "الإرهابي يحتاج إلى شخص جاهل، ويائس ومحبط تراكم لديه الغضب. فيستطيع أن يقوم بإقناعه بالأفكار المنحرفة حتى يصبح مجنداً يتبع كل ما يقوله له وبدون تفكير ولهذا نحتاج لعلاج ظاهرة البطالة".
وكأن منعم يفسر سبب استهداف الهجمات الإرهابية للكثير من أماكن العمل وتجمعات العمال في سنوات سابقة، ومنها هجمات دموية في محافظات مختلفة أودت بحياة العشرات من العمال إثر استهداف أماكن تواجدهم وأدت لنشر البطالة بين المئات.
فهل تستطيع الحكومات والبرامج التنموية المختلفة توفير وظائف للشباب كسراً لسلسلة اليأس والاحباط والغضب التي قد تدفع بالكثير للانضمام لجماعات إرهابية؟
شاركنا برأيك في التعليقات أو على صفحتنا على فيسبوك.
*الصورة: في نينوى، "دماء تسيل بلا سبب وناس تخسر رزقها بلا سبب"/وكالة الصحافة الفرنسية