محمد الدليمي

في العراق، البطالة إحدى المشاكل التي يواجهها المجتمع ويعيش تبعاتها يوميا. فمع تعدد الأسباب المعروفة للبطالة، ومنها غياب التنمية وانتشار الفساد وفشل البرامج الحكومية في تحقيق التقدم الاقتصادي الذي يضمن توفير وظائف جديدة، جاء الإرهاب ليزيد من أعداد العاطلين عن العمل في البلاد، بعد أن استهدفت هجمات الإرهابيين المصانع والشركات والمصالح الحكومية والأهلية على حد سواء.

وحسب تصريح وزير العمل والشؤون الاجتماعية في العراق، وصلت نسبة البطالة في البلد إلى 46 بالمئة.

نينوى .. بين البطالة والإرهاب

محافظة نينوى، ثاني أكبر محافظات العراق سكاناً. اشتهرت باسم (أم الربيعين)، كانت مقصداً للكثير من المشاريع السياحية والصناعية والتجارية والزراعية.

لكن هذا كله تغير بعد ازدياد العمليات الارهابية في المحافظة وسيطرة الجماعات الإرهابية، كالقاعدة وبعدها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". فعانت الشركات والمصالح المختلفة من تهديدات أجبرتها على دفع مبالغ مالية شهرية (أو "خاوة" كما يسميها العراقيون) لدفع الأذى عن العاملين، فضلا عن قتل العديد من العمال من طوائف مختلفة. فاضطر العديد من هذه المصالح لمغادرة المدينة.

ففي عام 2007، أقدم إرهابيون على قتل 24 عاملاً ايزيديا عند مغادرتهم معمل نسيج الموصل في جريمة مروعة. وأجبر العشرات غيرهم على ترك عملهم بعد تهديدهم بالقتل، لينضموا لجموع العاطلين عن العمل.

وفي عام 2010، تم تهديد 30 عاملة مسيحية بالقتل إن لم يتركن العمل في معمل نسيج الموصل، فتركنه خوفاً من تكرار ما حدث للعمال الأيزيديين. فتم إغلاق الخط الانتاجي واضطرت الحكومة العراقية لافتتاح خط انتاجي آخر عام 2013 قرب القرى المسيحية المؤمنة نسبيا، حيث يستطيع العمال ممارسة أعمالهم.

وفي عام 2013، أعدم إرهابيون أكثر من 14 سائق شيعي بعد ايقافهم أحد الطرق العامة في محافظة نينوى. وأضيف لفداحة الجريمة خسارة العديد من السائقين لمصدر رزقهم، بعد تركهم العمل خوفاً من المرور على هذه الطريق.

وبعد سقوط مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، بيد تنظيم داعش، خسر الآلاف وظائفهم وأعمالهم بسبب إغلاق مصانع الإسمنت والأدوية والنسيج والكبريت، بالإضافة الى سيطرتهم على عدد من الأراض الزراعية التي كانت مصدر رزق للكثير من أبناء المحافظة، وغيرها الكثير من مصادر الوظائف الحكومية والخاصة مثل معامل الخياطة والحدادة والنجارة ومصانع مواد البناء والمناطق الصناعية الكبيرة.

بلا سبب

أحد أبناء نينوى، وهو مسيحي اختار لنفسه اسم سامان القوشي، شاهد أخاه وهو يقتل أمامه لأنه رفض إغلاق شركته التجارية الصغيرة وسط الموصل عام 2008.

وقال سامان "غادر أخي الشركة، وبعد دقيقة، سمعنا صوت اطلاقات نارية فركضنا، فرأيته ممدداً يسبح بدمائه. لا لذنب سوى انه كان يعمل وكان يوظّف الكثير من الناس".

سامان لم يستطع الاستمرار بالعمل في الشركة. "أغلقنا شركتنا التي كانت توظف أكثر من 16 موظفاً، وكلهم أصبحوا بلا عمل".

يقول وهو يتذكر بحسرة "لو بس أعرف ليش؟ دماء تسيل بلا سبب وناس تخسر رزقها بلا سبب".

أينما تجد البطالة ستجد الإرهاب

وحول العلاقة بين الإرهاب والبطالة، وتأثير أحدهما على الآخر، يقول المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق عمار منعم في اتصال هاتفي مع موقع (إرفع صوتك) إن الرابط بينهما "وثيق".

"الإرهاب والبطالة آفتان متلازمتان"، حسب قول منعم. "أينما تجد البطالة ستجد الإرهاب. وبالعكس حيثما ينتشر الإرهاب ستنتشر البطالة. وفي الحالتين سينتشر الفقر وهو ما يؤدي إلى تجمعات سكانية فقيرة وغاضبة مدفوعة باليأس".

ويشرح منعم كيف يشكل هؤلاء العاطلون منجماً يقوم برفد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، "الإرهابي يحتاج إلى شخص جاهل، ويائس ومحبط تراكم لديه الغضب. فيستطيع أن يقوم بإقناعه بالأفكار المنحرفة حتى يصبح مجنداً يتبع كل ما يقوله له وبدون تفكير ولهذا نحتاج لعلاج ظاهرة البطالة".

وكأن منعم يفسر سبب استهداف الهجمات الإرهابية للكثير من أماكن العمل وتجمعات العمال في سنوات سابقة، ومنها هجمات دموية في محافظات مختلفة أودت بحياة العشرات من العمال إثر استهداف أماكن تواجدهم وأدت لنشر البطالة بين المئات.

فهل تستطيع الحكومات والبرامج التنموية المختلفة توفير وظائف للشباب كسراً لسلسلة اليأس والاحباط والغضب التي قد تدفع بالكثير للانضمام لجماعات إرهابية؟

شاركنا برأيك في التعليقات أو على صفحتنا على فيسبوك.

*الصورة: في نينوى، "دماء تسيل بلا سبب وناس تخسر رزقها بلا سبب"/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".