بالرغم من معدلات العنف المرتفعة في العراق لسنوات طويلة، إلا أن الهجرة إلى خارج البلاد لم تسجل معدلات عالية كالتي تحملها مؤشرات حكومية عراقية من جهة، وأخرى تعلنها مؤسسات دولية.
وثمة إجماع على أن المختلف اليوم بين مؤشرات السنوات السابقة واللحظة الراهنة هو تراجع حقيقي في أي فرصة لتحسين أوضاع عشرات الآلاف من الشباب الذين ينهون دراستهم ويأملون بفرصة عمل في بلد لا أحد يختلف على مستوى غناه المادي والبشري.
وعن "مفارقة البطالة في اقتصاد نفطي"، يقول الباحث د. حيدر حسين آل طعمة إن "الاقتصاد العراقي يشهد مفارقة مذهلة حين يولد أعدادا متزايدة من الباحثين عن العمل في ظل موازنات انفجارية بدأت تتسع منذ العام 2003 ".
ويعزو آل طعمة، الباحث المشارك في "مركز الفرات للتنمية والدراسات"، ارتفاع معدلات البطالة، لاسيما بطالة الشباب، إلى وجود عدد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تواجه البلد بشكل عام وتؤدي إلى تضخيم أعداد البطالة باستمرار.
ولمعالجة الأزمة، يقترح طعمة:
*لابد من اختيار ودعم القطاعات التي تستوعب أعدادا كبيرة من قوة العمل، أي استخدام أسلوب الإنتاج كثيف العمل خفيف رأس المال، كقطاع البناء والإنشاءات وقطاع الخدمات والذي سيساهم مساهمة فعالة في معالجة الوتيرة العالية لمعدلات البطالة.
* تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في الصناعات المتوسطة والصغيرة عبر منح إعفاءات ضريبية وقروض ميسرة وحماية جمركية من السلع الأجنبية المماثلة.
المثلث القاسي: العنف - البطالة - الهجرة
وحيال تفاقم البطالة، باتت الهجرة حديث الشباب العاطل عن العمل، حد أن من النادر أن تجد حديثا في بيوت العراقيين اليوم أعلى وأكثر تأثيرا من تأثير المثلث القاسي: العنف - البطالة - الهجرة.
وفي حديث الى موقع (إرفع صوتك)، يرسم أحمد عبد الرزاق الحيالي، وهو مهندس شاب من محافظة ديالى، كيف أنه يعمل اليوم بجهد كبير بعد أكثر من عام على وصوله إلى النمسا، لإيفاء ديون تحملتها عائلته كي توفر له ثمن تذكرة السفر إلى تركيا، ومن ثم تكاليف السفر عبر شبكات التهريب حتى وصوله إلى مكان بات يوفر له فرصة عمل معقولة. فهو اليوم يجد نفسه في احتكاك مع معرفة علمية لم يطبقها بعد تخرجه منذ العام 2010 .
ويؤكد الحيالي أن أوضاع شباب عراقيين كثيرة ليست بعيدة عن مسار حياته، منتقدا طريقة السلطات الحكومية والقوى المتنفذة في التعامل مع مقدرات البلاد المالية والبشرية.
ويقول "كنا في ديالى بالعشرات ممن تحصلنا على شهادات علمية في اختصاصات كانت مهمة من اجل تقدم البلد، لكننا كنا نجد كيف أن الوظائف التي كنا نستحقها تذهب إلى من لا يستحقونها، لا لشيء إلا لأنهم أقرباء هذا المسؤول أو أعضاء من حزبه". وأضاف "كانوا يقتلون أي طموح فينا وأي أمل لنا بوطن آمن ومستقر ومتقدم".
الحكومة "لم تعط أي بصيص أمل"
حديث ابن ديالى، المهندس الحيالي، عن تأثيرات البطالة على الهجرة يلتقي مع تحذير عضوة مجلس محافظته أسماء حميد من أن "البطالة هي العامل الابرز في تنامي الهجرة إلى أوروبا". كما أنه لا يبتعد في جوهره عما يقوله الناشط المدني باسم سعيد، من أن "هجرة الشباب في ديالى تتحمل وزرها الحكومة المركزية لأنها لم تعطِ أي بصيص أمل لهم وأسهمت في ذلك أيضا الأحزاب المتنفذة، بسبب هوس السلطة والمال الذي خلق مشكلات لا تحصى كان الفقراء هم من يدفعون ثمنها دوما".
وأضاف سعيد "أغلب المهاجرين إلى أوروبا من حملة الشهادات الدراسية العاطلين عن العمل".
وبالعودة إلى ما ترسمه دراسة الباحث آل طعمة "مفارقة البطالة في اقتصاد نفطي"، فإن شابا من مركز الإنتاج النفطي العراقي، من مدينة البصرة، يقول لـ (ارفع صوتك) إنه الآن قطع نصف الطريق إلى مغادرة البلاد كليا. هو حاليا في اسطنبول التركية، في طريقه إلى أوروبا.
وبشأن السبب الذي دفعه إلى الهجرة وهو حاصل على شهادة في علوم الكيمياء في محافظة النفط وتجارته واستثماره، يقول حيدر حسين، 29 عاما، "لم أجد فرصة للعمل لأنني لا أستطيع منافسة أصحاب الواسطات. فلست قريبا لمسؤول حكومي ولا ابن عمي عضو بارز في ميليشيا أو حزب، ولا أنا عضو في حزب متنفذ".
المغادرون لبلادهم يلقون باللائمة على نخبة سياسية عراقية في تضييق فسحة الحياة. فيما تلك النخبة تعيد نفس الأسباب "الظروف والمشاكل والأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها البلد"، كما يقول ذلك النائب عن التحاف الكردستاني سيروان عبد الله.
وأكد عبد الله "العراق يعاني من سوء الخدمات وانتشار البطالة وانعدام الأمن وعدم وجود فرص عمل، مما دفع الشباب إلى الهجرة ".
*الصورة: التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية تؤدي إلى تضخيم أعداد البطالة/وكالة الصحافة الفرنسية