جنى فواز الحسن

يبدأ يأس الشباب العربي من البطالة وعدم إمكانية إيجاد فرص العمل منذ تواجدهم في المقاعد الجامعية. تجارب من سبقهم لا تطمئنهم. يعرفون أنّ آخرين تخرّجوا بدرجاتٍ عالية لكنّهم لم يجدوا ما يلبي طموحاتهم من فرص وظيفية.

اليأس موجود وانتشاره معروف في المجتمع العربي، حيث تسود ثقافة "النرجيلة". وبين دخانها والنار التي يشعلها الإحساس بالظلم داخل هؤلاء الشباب، هل تندلع نارٌ أخرى أشدّ حدّة، وهل يدفع الفراغ بالعاطلين عن العمل نحو خيار التطرّف أو العنف؟

محلّلون اقتصاديون من مختلف أقطار العالم العربي يبدون وجهات نظرهم المختلفة حول هذا الموضوع لموقع (إرفع صوتك).

أسامة بن لادن نموذجاً

يقول المحلّل الاقتصادي الأردني مازن إرشيد "من الطبيعي أنّ تأزّم الأمور المعيشية والحياتية للفرد قد يقود إلى التشدد والتطرف الديني من حيث استغلال الحالة النفسية لهؤلاء من قبل المتشددين من أجل تجنيدهم ضمن مجموعة تشترك بنفس المعتقدات الدينية المتشددة ونفس الأهداف المراد تحقيقها".

ويستطرد إرشيد "لكن لا يمكن أن يحدث الأمر لو لم تكن الظروف مهيأة لذلك من فكر وساسة ومثقفين ورجال دين وإعلام ومناهج ومدارس وتعليم".

بحسب إرشيد، الفكر المتشدد لم يأتِ من فراغ. "لكن التعبئة الفكرية والدموية للأفراد أتت من مشايخ التطرف والمناهج التي ترتكز على الثقافة الجهادية، ومناهل الدين السياسي. ومثلما يمكن لهؤلاء المتشددين أن يجندوا العاطلين عن العمل، فإن البيئة الفكرية والثقافية أيضاً تلعب دوراً في قبول العاطلين بالدخول في مغامرة التطرف أو العكس".

يعطي إرشيد نموذجاً هو زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، ويشير على سبيل المثال إلى أنّ بن لادن "لم يكن في ظلّ وضع معيشي صعب، بل ولد في عائلة ثرية ويملك من الأموال الكثير".  ويضيف إرشيد "في واقع الامر، قد يكون المجتمع مهيأ لتجنيد أفراد ضمن مجموعة متطرفة. وهناك مجتمعات بمقدورها خلق وصنع وتربية وتعليم وتجنيد وشحن وتعبئة أفراد هذا المجتمع وتكيفهم حسب معتقداتهم بغض النظر عن اوضاعهم المعيشية".

ويخلص إرشيد إلى أنّه "لا يمكن بناء الدولة المدنية العصرية في ظل ثقافة أساسها التشدد وعدم التسامح".

العناية بالأرياف

من جهته، يدرج المحلّل الاقتصادي العراقي صفوان قصي البطالة ضمن "المسببات الأساسية للتطرّف". ويشير إلى أنّ "عدم انشغال الإنسان بالعمل المنتج يدفع به نحو سلوك عنيف أو نحو الرغبة بتدمير المجتمع والآخر الذي لم يفه حقّه".

ويقول قصي "المنظمات الإرهابية تبحث عن البيئات العاطلة عن العمل كونها أكثر هشاشة لتقنع الشباب بالانضمام إليها". ويتحدّث كذلك عن الحلول التي يمكن للدولة العراقية اللجوء إليها لحلّ أزمة البطالة، مشيراً إلى نقطتين أساسيتين: غياب التوازن الاقتصادي، وسوء توزيع الموارد بين الريف والمدينة بشكل متساوي.

ويقترح قصيّ أنّ تعمل الحكومة العراقية على مبدأ "بناء توزيع الدخل بطريقة متوازنة تضمن الوصول إلى المجتمعات الريفية".

المركز والأطراف

يتحدّث كذلك الباحث المغربي إدريس أقصبي عن مفهوم المركز والأطراف بمعنى اجتماعي أوسع. وقول إنّ هناك مناطق مهمّشة أكثر من مناطق أخرى في المغرب، مشيراً تحديداً إلى "المناطق الشمالية حيث ولّدت بيئاتها نسبة كبيرة من الشباب المغاربة الذين اتّجهوا إلى التطرّف".

ويقول أقصبي "هناك جهود عديدة على المستوى الحكومي لمحاربة خطر الجماعات المتطرّفة والعمل على خفض نسبة البطالة عبر الانتقال إلى اقتصاد أكثر حداثة من شأنه أن يساهم في أمن المملكة".

ويضيف "هناك أحياء عشوائية في المغرب تتفشى فيها الأميّة والجهل وانعدام المساواة الاجتماعية بين الشباب. هذه الحالة تولّد الغضب الذي ينتج عنه الإرهاب".

العودة إلى الحرف اليدوية

من جهته، يقترح المحلّل النفطي الكويتي كامل الحرمي العودة إلى المهن اليدوية في دول الخليج "لمحاربة الرتابة الوظيفية والتصدّي كذلك للتطرّف".

يشرح الحرمي أنّ دول الخليج العربي تستورد العمالة للمهن اليدوية كالنجارة وتصليح الأدوات الصحية والبناء وحِرف أخرى. ويعتبر أنّ "هذا يخلق نوعاً من الجماد في الإنتاجية وحتّى ذهنية العمل".

يشير الحرمي إلى أنّ "الأعمال المكتبية تزيد من استخدام الشباب للإنترنت وتخفّض إنتاجيتهم وتجعل وصول المتطرّفين إليهم أسهل". ويقول "يجب أن نتوقّف في الخليج عن استيراد العمالة الأجنبية والعودة بأبناء أوطاننا إلى روحية العمل اليدوي. هذه الأعمال تؤدّي إلى المزيد من الطموح لدى الشباب.. لذا يجب على الحكومات أن تتحلّى بنظرة بعيدة المدى وتدريب وتوعية المواطن على أنّ العمل حق وشرف وتمكينه من سائر الأعمال".

ويؤكد "التصدّي للتطرّف والإرهاب يقع كذلك على عاتق الإعلام وعاتق الأسر التي يجب أن تخلق الأمل داخل أبنائها وتحفيزهم ألّا يعيشوا عالة على المجتمع".

*الصورة: متظاهرون في المغرب يعترضون على تفشّي البطالة/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".