ندى الوادي

"منذ أن استلمت النهضة الحكم والبلد في فوضى. لقد فتحوا الحدود وتركوها دون رقيب فخرج أبناء تونس إلى أرض الموت". هذا ما تقوله نزيهة الأم التونسية.

نزيهة التي فقدت ابنها محمد الجلاصي ذا 27 عاماً بعد أن خرج للقتال مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سوريا، تحمل حكومة "الترويكا" السابقة في تونس مسؤولية ما حصل لابنها.

ارتفاع أعداد التونسيين الذين التحقوا بـ داعش في سوريا في السنوات الأخيرة ملفت للنظر، إذ تشير الإحصائيات إلى أن مجموع عدد التونسيين الذين غادروا إلى سوريا يصل إلى نحو خمسة آلاف شخص، 80 في المائة منهم التحقوا في عهد حكومة الترويكا. وقد عاد منهم حتى الآن بين 500 إلى 600 شخص. فيما تبين الأخبار المتناقلة أن 1500 منهم قتلوا في تلك الفترة.

يقول الأكاديمي وخبير تيارات الإسلام السياسي والجماعات الجهادية في تونس الدكتور أعلية العلاني إن حكومة الترويكا التي تسلمت الحكم بين أعوام 2011 و 2014 "لم تكن جادة في مقاومة الإرهاب"، وكانت تسمح للجماعات السلفية الجهادية بإقامة اجتماعاتها دون رقيب.

ويضيف العلاني "الأرضية الأيديولوجية لفكر حزب النهضة تتلاقى مع الأرضية الأيديولوجية للسلفية، وإن لم تكن السلفية الجهادية. ولذلك فإن هذا الفكر بحاجة إلى مراجعة... فمعظم الذين انتهى بهم الأمر في الجهاد مروا من خلال تيار الإخوان المسلمين أو الإسلام السياسي"

ويرى العلاني أن حزب النهضة لم يضع استراتيجية قوية لمحاربة الإرهاب، "بل إنه أقر قانوناً يتساهل في تكوين الجمعيات دون تحيد سقف للتمويل"، الأمر الذي سمح للكثير من الجمعيات التي تملك تمويلات خارجية كبيرة بالازدهار، و أقامت روضات ومدارس دينية تدرس برامج متشددة.

ويرجع العلاني ذلك إلى أن هدف حكومة الترويكا من ذلك كان "كسب السلفيين ليكونوا كتلة انتخابية لصالحها، وهو الأمر الذي أدى إلى توطين الإرهاب في تونس. علاوة على أن المنظومة الأمنية في تونس تم تفكيكها، وأصبحت الحدود بالتالي غير محروسة مما أنتج ارتفاع نسبة التهريب بشكل كبير".

هناك تلاق كبير بين التهريب والإرهاب، هذا ما يؤكده العلاني الذي أشار إلى أن التحقيقات أثبتت أن 50 في المائة من الاقتصاد التونسي في فترة حكم الترويكا اعتمد على التهريب وأن هناك أكثر من 1000 موقوف على ذمة قضايا الإرهاب في تونس حالياً.

كيف يجب التعامل مع العائدين من أرض القتال؟

لم يكن القانون في تونس يجرم التحريض أو الانضمام إلى "الجهاد" من قبل. وبعد انتشار المحرضين في الجوامع والمساجد وتشجيعهم على الانضمام لصفوف المقاتلين في سوريا، اضطرت الحكومة الجديدة إلى إقرار قانون يجرم هذه الأفعال. وبعد أن عاد عدد من المقاتلين الى البلاد، صدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد.

يقول العلاني "من الضروري تطبيق برنامج تأهيل للجهاديين العائدين، يبدأ من خلال وضعهم في مركز إيواء خاص حتى تتم محاكمتهم أمام القضاء. والهدف من مركز الإيواء هو إبعاد خطر قيامهم بتجنيد آخرين إذا وضعوا في سجن عادي".

ثم، والحديث للعلاني يجب أن يخضع العائدون إلى برنامج تأهيل يتكون من ثلاث مراحل، أولها مرحلة بناء قاعدة بيانات، إذ يجب القيام بمعرفة مدققة ومفصلة بالمسار الذي انتهجه كل منهم. ويجب وضع قاعدة بيانات كاملة تستخدمها المؤسسات الأمنية. أما الخطوة الثانية فهي خطوة المراجعات، "والتي من خلالها يتم خضوع الجهاديين العائدين إلى برنامج مراجعات داخلية للمناهج والأيديولوجيات التي تعلموها في جبهات القتال. ومنها مفاهيمهم حول التكفير والجهاد والخلافة وعلاقة الدين بالدولة". ويشرف على هذه الخطوة علماء دين وعلماء اجتماع وأخصائيين نفسيين وعلماء في علم الإجرام.

ويضيف "المرحلة الأصعب هي المرحلة التالية، وهي إدماجهم الاجتماعي. وتعتمد هذه المرحلة على تمكينهم عبر مشاريع تقوم الحكومة بتسهيلها وتكفيهم لقمة عيشهم حتى لا تنجح الجمعات الإرهابية باستدراجهم من جديد".

ويؤكد العلاني أن هذه الخطوات تحتاج إلى تكاليف كبيرة تحتاج إلى تعاون بين المنظمات الدولية المهتمة بمحاربة الإرهاب ومعالجته.

هل كان ضعف برنامج الإسلاميين في محاربة الإرهاب في تونس هو السبب في ازدياد عدد المقاتلين التونسيين الملتحقين بـ داعش؟ شاركنا برأيك في موقع (إرفع صوتك) وعلى صفحاتنا في فيسبوك وتويتر.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".