محمد الدليمي

اضطرت المئات من المصالح الصناعية والتجارية المختلفة أن تغلق أبوابها بعد أن سيطر تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على مناطق مختلفة من العراق خلال عام 2014.

وأغلقت مصانع حكومية ضخمة مثل مصانع الفوسفات والاسمنت والزجاج والنسيج والنفط والأدوية وغيرها. بالإضافة إلى مصانع أخرى تتبع للقطاع الخاص، مثل مصانع الاسفلت والطابوق والثلج.

يقول المهندس حامد الراوي، أحد المهندسين الاستشاريين في محافظة الأنبار، إن المصانع التي أغلقت والبطالة الناتجة عنها ستؤدي إلى "عواقب كارثية".

وأكد الراوي في حديث لموقع (إرفع صوتك) "في محافظة الانبار وحدها، أغلقت ثلاثة مصانع لتصنيع الاسمنت، مصنع فوسفات، مصنع زجاج، أكثر من 40 مصنع من مصانع الاسفلت ومواد البناء المختلفة، مصنع للمواد الحرارية، و أكثر من ثلاثة معامل خياطة وعشرات المعامل الصغيرة والمصالح التجارية المختلفة".

ويضيف الراوي أن هذه المصانع كانت توظف عشرات الآلاف من الموظفين الذين خسروا وظائفهم وتحولوا إلى جموع من النازحين بعد سيطرة داعش على المحافظة وما تبعها من أعمال خطف وقتل ومواجهات عسكرية.

الشركة العامة للفوسفات

هي إحدى الشركات التي تركها موظفوها بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق غرب الأنبار في منتصف عام 2014.

كان مصنع الفوسفات في القائم قرب الحدود السورية أكبر مصنع في العالم وقت انشائه في نهاية السبعينيات من القرن الماضي. ويتكون المجمع الذي يقع فيه المصنع من مجموعة من المعامل المتكاملة والمترابطة مع بعضها لإنتاج الأسمدة كمنتج نهائي. وهذه المعامل هي معمل تركيز الخامات، معمل حامض الكبريتيك، معمل حامض الفسفوريك، وحدات الخدمات الصناعية، معامل الأسمدة، معمل الأمونيا، معمل أملاح الفلورين، وحدة التداول.

كانت الشركة توظف أكثر من 3200 موظف من كل انحاء العراق على الملاك الدائم، بالإضافة إلى مئات الموظفين عن طريق التعاقد. ويبلغ مجموع المرتبات الشهرية التي كانت الشركة تدفعها شهريا أكثر من مليوني دولار، وهي من الشركات القليلة في العراق التي كانت تحقق أرباحاً.

ادّخار اجباري

يقول أحد مسؤولي الشركة والذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن ثلثي العاملين في الشركة والذين أجبروا على البقاء في مناطقهم تحت سيطرة داعش، قد قطعت عنهم الرواتب. وأضاف "هذه المرتبات هي تحت (الادخار الاجباري) لحين خروجهم من هذه المناطق وإثبات أنهم لم يتعاونوا مع تنظيم داعش".

وكانت الحكومة العراقية قد أصدرت قراراً في مطلع عام 2015 يقضي بوقف صرف رواتب الموظفين في المناطق التي تحتلها داعش حتى لا يستفيد التنظيم من هذه المرتبات.

والبطالة الناتجة عن توقف مثل هذه الشركات والمصانع هي بطالة تسلسلية، تؤدي إلى بطالة في تخصصات وأعمال أخرى. حيث توقفت الأعمال المختلفة التي تستفيد من وجود هذه المصانع، من مُجهزين للمواد ووكلاء ومقاولين وسيارات نقل، فضلاً عن غيرها من المحال التجارية والمصالح الأخرى التي توفر الخدمات المطلوبة للموظفين وتستفيد من مرتباتهم.

ماذا جنينا من قطع الارزاق؟

يقول صلاح الفراجي، وهو موظف في الشركة العامة للفوسفات، والذي اضطر لمغادرة المدينة بعد سيطرة تنظيم داعش عليها "تركنا المحافظة وأعمالنا بسبب داعش والجماعات الارهابية. والآن نحن بلا رواتب منذ أربعة أشهر. تخيل عندك عائلة وأنت مهجر وتركت بيتك لتبقى ذليلاً بلا راتب وانت تراقب أولادك يبكون وليس بيدك حيلة".

تحدث الفراجي عن معاناة الموظفين في القطاع الصناعي في كل المناطق التي طالتها نار الإرهاب، وقال "إن الحالة سيئة وإن العوز والجوع يدفع الناس إلى ما لا تحمد عقباه".

وأضاف "عندنا مثل شعبي يقول (إسرق ولا تشحذ). وهذا رسالة لكل السلطات مفادها أن الانسان قد يعمل الأشياء السيئة إن اضطر لذلك بسبب الجوع".

*الصورة: معمل الفوسفات في القائم، أحد المعامل التي تركها موظفوها بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق غرب الأنبار/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.