حسن عبّاس

تفيد بعض الدراسات بأن الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها اللاجئون السوريون قد تساعد الحركات المتطرفة على استقطاب بعض الشباب من بيئاتهم.

المسألة ليست حتمية، ولا يمكن القول إن كل لاجئ فقير سيتحوّل إلى جهادي. ولكن الحرمان قد يكون الفتيل الذي يشعل مجموعة من العوامل المتداخلة.

نقمة بسبب قلة الدعم

بحسب توصيف رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، تعيش "أكبر مجموعة من اللاجئين جراء نزاع واحد [في إشارة للسوريين]... ظروفا مروعة وتغرق في فقر متزايد". وفي ظل عدم استجابة المجتمع الدولي لتأمين المبالغ اللازمة لخطط المفوضية فإن الأمور قد تتجه إلى الأسوأ.

وأشارت الناشطة اللبنانية في مجال حقوق الإنسان وفي مساعدة اللاجئين السوريين نوال مدللي، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك)، إلى أن تقليص جمعيات الإغاثة لمساعداتها وتخفيض مفوضية اللاجئين لقيمة البطاقة التموينية "خلق نوعاً من العجز لدى اللاجئين وعدم القدرة على شراء الحاجات الضرورية الشهرية، وأدى إلى ولادة نقمة عند البعض"، خاصة في ظل عدم السماح للسوريين بالعمل إلا في مهن البناء والزراعة والخدمة.

ورأت مدللي أن "الظروف السيئة للاجئين من الممكن أن تُحدث نقمة عند الشباب فينجروا إلى تنظيمات متطرفة". إلا أنها أكّدت أن مخيمات اللاجئين المنتشرة في منطقة البقاع اللبنانية مضبوطة إدارياً وأمنياً بطريقة تخفّف من احتمالات وجود جماعات متطرفة داخلها، دون أن تنكر ترك البعض للمخيّمات والعودة إلى سورية للقتال.

ولكن في بلدة عرسال، قبل المعركة التي دارت في آب/أغسطس عام 2014 بين الجيش اللبناني وتنظيمي الدولة الإسلامية "داعش" وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، "وُجدت حالات كثيرة لشباب التحقوا بمجموعات متطرفة"، كما قالت مدللي. مضيفةً أن "عدم وجود فرص عمل والتعصب الطائفي ساهما في ذلك".

يقول ذهب في عمل... ثم يصل نبأ مقتله

وأكّد المدير العام لمؤسسة الإغاثة والتنمية الإنسانية السورية (نجدة ناو) عبد العزيز العايدي، لموقع (إرفع صوتك) عدم ملاحظة "اتجاهات للتطرف في أوساط اللاجئين السوريين المقيمين في منطقة البقاع اللبناني، بل نسمعهم يحمّلون المسؤولية عن بؤس حالهم إلى الجهات المتطرفة، كما إلى النظام السوري".

وأضاف "بعض الجمعيات العاملة في محافظة الشمال حاولت الربط بين مساعدة اللاجئين وبين أدلجتهم، ولكن في البقاع الغربي ليس للجماعات السلفية وجود كما في الشمال".

وتابع العايدي أنه لا يستطيع نفي رجوع ناس إلى داخل سورية. "ولكن عدد هؤلاء إلى تناقص. ففي العام الماضي، كنا نسمع أكثر عن عائلات يعود ربّها إلى سورية وحين كنّا نسألهم عن سبب عودته كانوا يجيبوننا بأنه ذهب في عمل ولكن بعد فترة يصلنا نبأ مقتله".

ولكن هذه الحالات تراجعت بشكل كبير، كما لاحظ العايدي. مضيفاً أن "تفكير اللاجئين الآن منصب على الهجرة إلى أوروبا، ويخططون لجمع الأموال اللازمة للمهربين".

الدافع المادي أهم من الإيديولوجي

قبل مدّة، أطلقت "مؤسسة أديان"، وهي مؤسسة لبنانية للدراسات الدينية والتضامن الروحي ومن أهدافها تحقيق السلام وتثبيته في لبنان والمنطقة، "مشروع التربية على السلام والمناعة بوجه العنف". وهو مشروع عملت فيه مع لاجئين سوريين شباب. وفي إطاره، أجرت دراسة بعنوان "دراسة حول أوضاع الأطفال السوريين المشاركين والمعرّضين للمشاركة في النزاعات المسلحة".

عملت الدراسة على عيّنة من اللاجئين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة، بهدف فهم ميولهم. وأكّد رئيس المؤسسة الأب فادي ضو لموقع (إرفع صوتك) أن الفريق البحثي كان يظنّ أن العوامل الفكرية والإيديولوجية هي الأساس. "ولكن بعد الدراسة تبيّن لنا أن العوامل الاقتصادية مؤثرة أكثر".

وأضاف ضو "وضع هذه الفئة الاجتماعي والاقتصادي السلبي يشكّل دافعاً للانضمام إلى الجماعات المسلّحة أكثر من مسألة تحوّلهم الفكري. ففي أغلب الأحيان ينخرط الشباب بدايةً في المجموعات المسلحة وبعدها تبدأ عملية تحوّلهم الفكري وليس العكس".

وأيضاً، الشباب "ينجذبون إلى سلطة السلاح كونه يمنحهم شعوراً بالقوة".

التأقلم السلبي بسبب غياب الأفق

في الأردن يعيش نحو 620 ألف لاجئ سوري، منهم قرابة مئة ألف يقيمون في المخيمات. أما الأكثرية الساحقة فيعيشون في المدن. وعلى صعيد مساعدتهم، هنالك مسار تنازلي بسبب ضعف التمويل الدولي.

وقال منسق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في مخيم الزعتري في الأردن هوفيك إتيِمِزيان، لموقع (إرفع صوتك)، "هنالك جماعات في سورية توظّف مقاتلين". وتساءل "هل جزء من الشباب الفقراء والعاطلين عن العمل يذهب للقتال؟" مجيباً "أكيد".

ولكنّه أكّد أنه "لا وجود في المخيّم لجماعة منظمة تعمل على استقطاب الناس، ولا وجود لظواهر تطرّف لأن حماسة اللاجئين تجاه الجماعات المسلحة خفّت كما أن الأمن الأردني يعمل على منع هذه الميول".

المشكلة برأي إتيِمزيان هي "كلما قلّت المساعدات كلما تأقلم اللاجئون مع واقعهم بطريقة سلبية"، والتأقلم السلبي برأيه قد يأخذ شكل إخراج الأطفال من المدارس ليتسوّلوا على الطرقات أو تزويج الفتيات المبكر بهدف الكسب المادي أو الدعارة، وقد يأخذ شكل الانضمام إلى جماعات مسلّحة.

ما يحصل مع السوريين ليس استثناءً. يروي إتيِمزيان أنه أثناء الثورة الليبية وبعدها كان متواجداً في تونس، ولاحظ أن يأس الشباب الليبيين وعدم إيمانهم بمستقبل أفضل دفع قسما منهم إلى التأقلم سلبياً مع واقعهم الجديد.

خلاصة ملاحظات المسؤول الدولي التي يضعها في إطار رأيه الشخصي، تفيد بأنه "إذا كان شخص ما يمتلك أفقاً سليماً للمستقبل، وهذا لا يأتي بدون وضعين اقتصادي وتربوي جيّدين وبدون عمل، فسيكون من الصعب أن يأخذ قراراً بالتطرّف".

*الصورة: لاجئون سوريون في مخيم الزعتري/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".