تكثر الدراسات التي تربط بين الفقر والبطالة وبين الالتحاق بالجماعات المتطرفة. فمن بين عوامل متعددة، تلعب الحاجة الاقتصادية دوراً في تجنيد الشباب في هذه الحركات. ولكن الفقر، وإن كان عاملاً مساعداً، إلا أنه ليس عاملاً حتمياً. فكثير من الشباب الفقراء الذين يرفضون القتل بحجة الدين، ويرفضون ما تسمّيه الجماعات الإسلامية المتشددة "الاستشهاد في سبيل الله"، ولخياراتهم أسباب كثيرة كما قالوا لموقع (ارفع صوتك).
"لا أبيع كرامتي"
الشاب اللبناني إسماعيل، 24 سنة، ترك الدراسة في سنته الجامعية الأولى للعمل ومساعدة أهله. ثم تعلّم صنعة التمديدات الكهربائية المنزلية. حالياً، يعمل إسماعيل بشكل متقطّع. ولكن، رغم تأكيده على أن "كثيرون يسعون إلى تجنيد شباب وبمعاشات مغرية... لكن أفضل الموت جوعاً ولكنّي لا أبيع كرامتي لأن هذه الوصمة ستُلاحق أولادي في المستقبل".
وأضاف إسماعيل "علّمني أهلي رفض كل تطرّف".
أما خالد، 36 سنة، ويعمل نجاراً في مدينة طنجة المغربية ويشكو من عدم استدامة عمله ومن دخله المتدنّي، فقد بدأ حديثه بالتأكيد على أنه مواطن يحب وطنه ويؤمن بديانة تمنعه من الالتحاق بمثل هذه التنظيمات و"ما نفكرش في الانحراف عن الدين".
وأكد خالد "حالتي المادية صعبة، ولكني راضٍ بما يقسمه الله لي ولعائلتي. مستوى معيشتي أحسّنه بعملي على تطوير صنعتي". وتابع أنه لا يمكن أن يتخيل "أن أقتل لكي أدخل الجنة وأستفيد من تقديمات الحركات المتطرفة المادية، لأنني بذلك سأخسر في حياتي الدنيا وسأخسر في الآخرة".
وبرأيه، إن المجموعات المتطرفة منحرفة عن الدين و"القول إنهم يمثلون الإسلام افتراء على الإسلام. فالحرام والحلال بيّنان في ديننا ولكن بعض الناس يحرّفون كلام الله ورسوله".
لا يخسر إلا مَن يموت
حسان المرواني، 43 سنة، عاد من إفريقيا قبل سنتين بعد أن كان يعمل هنالك عامل بناء واستقرّ في قريته في الجنوب اللبناني. بعد عودته ببضعة شهور، تواصل معه أحد المسؤولين في حزب الله اللبناني. وبعد لقاءات متكررة في مسجد القرية، حدّثه الأخير بالتفصيل عن سير المعارك في سوريا وعن "الخطر الوجودي الداهم القادم إلينا عبر التكفيريين"، بحسب روايته، ثم اقترح عليه عملاً في الخطوط الخلفية للمعارك براتب 600 دولار إضافة إلى حوافز وخدمات وتقديمات أخرى.
ولكن حسان الذي شارك في الحرب الأهلية اللبنانية مع إحدى الميليشيات الشيعية ونجا من الموت أكثر من مرة وفقد عدداً من أصدقائه، قال أنه تخلى عن فكرة حمل السلاح نهائياً. فبرأيه، "في النهاية لا يخسر إلا مَن يموت".
حالياً، ما زال حسان يأمل بالحصول على فرصة عامل في الخارج ويخشى، في حال شارك في القتال، من أن يخسر كل فرصة عمل ممكنة بسبب إصابة قد تسبب له إعاقة أو بسبب منعه من السفر.
كذلك، يرفض علي المصري، 32 سنة، الانخراط في جماعات مسلحة برغم فقره ومعاناته من البطالة،
وقال علي "عندي قيم وأخلاق ومبادئ لا تسمح لي بمثل هذا الموضوع. أنا في النهاية أصبر ولن تبقى أموري هكذا كما أن ديني لا يسمح لي بأن أكون متطرفاً وأن أشارك في عمل إرهابي، ولا يسمح لي بحمل السلاح من أجل المال".
شاب يحلل وضع الشباب
محمد شريف، 28 سنة، هو طالب علوم سياسية في جامعة الجزائر، ويعمل جزئياً في مجال الصحافة. يهتم بمراقبة شباب بلده الفقراء ويعرف ما يؤثر فيهم.
يقول محمد "إن المتطرفين يستثمرون في نقاط ضعف الشباب المغرّر بهم وعلى رأسها مشاكلهم الاجتماعية وفقرهم"، متابعاً أن "الأحياء الفقيرة حول المدن أكثر قابلية لنمو التطرّف من غيرها من المناطق فشبابها يثورون على وضع اقتصادي متردٍّ وبطالة نسبتها مرتفعة وشعور بالكبت والإحباط".
ولفت أيضاً إلى أن الجزائريين استفادوا من تجربة سنوات الصراع على السلطة بين الجيش والإسلاميين، وهي السنوات التي ولد فيها الجيل الشاب، و"كلنا شاهد أهله وأقرباءه يموتون في هذه الحرب الأهلية ويضيعون في الجماعات المتطرفة. وتعلمنا من التجربة ونخاف تكرارها".
*الصورة: في الجزائر "كلنا شاهد أهله يضيعون في الجماعات المتطرفة. وتعلمنا من التجربة ونخاف تكرارها"/وكالة الصحافة الفرنسية