علي عبد الأمير

حين أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن عام 2014 عاما كارثيا للأطفال، الذين حوصر نحو 15 مليونا منهم في حروب تدور في العراق وجنوب السودان وسورية والأراضي الفلسطينية ومناطق أخرى من العالم، فإن هذا يعني ببساطة أزمة ستتواصل إلى المستقبل، فهناك 230 مليون طفل يعيشون في دول ومناطق متأثرة بالصراعات المسلحة على مستوى العالم.

العنف لم يكن يحاصر الأطفال في حياتهم اليومية، بل كانوا هدفا مباشرا له، فبيان المنظمة الدولية المعنية بالطفولة، يوضح "قتل الأطفال وهم يدرسون في الفصول.. وهم نيام في أسرتهم.. تعرضوا لليتم والخطف والتعذيب والتجنيد والاغتصاب بل حتى بيعوا كعبيد... لا تعي الذاكرة الحديثة مطلقا أن الكثير من الأطفال تعرضوا لمثل هذه الوحشية التي لا توصف".

ويفصل التقرير أنه "في العراق تأثر من يقدرون بمليونين وسبعمائة ألف طفل بالصراع، بينما يقدر عدد الأطفال الذين قتلوا أو شوهوا هذا العام بسبعمائة على الأقل".

النجاة من الظلام؟

في الاطار ذاته، يؤكد، يوري فيدوتوف، المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات، عدم التسامح مطلقا مع العنف ضد الأطفال. وقال إن عدم حماية الأطفال في المدارس والمنازل ونظم العدالة الجنائية سيؤثر على آفاق تمتعهم بحياة سعيدة ومزدهرة، في إشارة إلى أن المستقبل لن يكون طبيعيا ولا مستقرا عند أجيال كاملة صارت في مهب العنف.

ويبدو المسؤول الدولي متفائلا حين يشير إلى التعامل مع العنف ضد الأطفال في سياق "منع الجريمة والعدالة الجنائية"، مشددا على "ضرورة القيام بعمل قوي للقضاء على العنف ضد الأطفال ليرى المتضررون منه بصيص أمل بعد أن ظنوا ألا مفر من الظلام".

أي مسؤولية للإعلام؟

هذا التوجه الدولي وحتى الاقليمي لجهة الاهتمام بأشكال العنف ضد الأطفال وسبل مواجهتها، يظهر مجالا حيويا يمكنه التأثير، ايجابيا، في ابتكار وسائل تقلل من الصدمات المخيفة لمشاهد العنف الحقيقي، أي الواقع مباشرة على الأطفال، والافتراضي، أي الذي ينتشر عبر وسائل الاتصال المعاصرة.

وعن هذا المسار، يقول الكاتب والصحافي العراقي صلاح النصراوي "يشكل الاطفال الشريحة العمرية الأكثر تأثرا بأحداث العنف في العراق نتيجة لعوامل عديدة، منها مباشرة تتمثل في تعرضهم شخصيا للعنف سواء من خلال التفجيرات والهجمات المسلحة وعمليات الاغتيال والخطف والتجنيد بواسطة  الجماعات الارهابية أو المليشيات وغيرها، أو من خلال تعرض ذويهم لتلك الاعمال مما يؤدي إلى فقدان أحد الأبوين وأحيانا كليهما وما ينتج عن ذلك من مآس اجتماعية، كاليتم والوقوع في براثن العوز والحاجة والاستغلال والتحرش أو تعرض العوائل للنزوح الداخلي أو للتهجير القسري للخارج والمعاناة الناتجة عن ذلك".

الاطفال.. هدف مباشر للعنف وغير مباشر ايضا

ويوضح النصراوي لموقع (إرفع صوتك) "أما العوامل غير المباشرة، فتتمثل بمشاهد العنف اليومية التي يتعرضون لها في شوارع مدنهم وأحيائهم وأمام أنظارهم، مما يترك بصمات عميقة في وعيهم ووجدانهم تتمثل في صدمات نفسية وتشوهات سلوكية، أو تؤدي إلى تحولات قد تصل في ظل الاستقطاب الطائفي والمجتمعي إلى ممارسة العنف بأشكاله المختلفة وحتى المشاركة في الاعمال الإرهابية أو الانضمام إلى المليشيات المسلحة."

غير أن الغالبية العظمى من الاطفال العراقيين تتأثر بالعنف من خلال وسائل الاعلام وخاصة القنوات التلفزيونية والوسائط الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تتوفر عبر الانترنيت والهواتف الذكية المتاحة للأطفال في فئات عمرية معينة بشكل واسع.

وبرأي النصراوي فإن "ما يزيد من تأثيرات العنف المنقول عبر الوسائل الاعلامية المختلفة عاملان مهمان هما حدة الاستقطابات الطائفية في داخل المجتمع العراقي والتي تجد لها متنفسات داخل الاسر والتشكيلات القبلية والعشائرية، وكذلك تحول وسائل الاعلام وخاصة القنوات التلفزيونية الأكثر تأثيرا الى أدوات في هذا الاستقطاب وبالتالي إلى نشر العنف الذي يمثل أحد أوجهه الأساسية".

مواقع التواصل الاجتماعي وثقافة العنف

وبشأن التأثيرات النفسية والتكوينية على الأطفال، يقول النصراوي "إذا ما تجاوزنا مشاهد الانفجارات وأشلاء القتلى والتدمير والجنازات وصراخ النساء وعويلهم التي اصبحت مناظر مألوفة في التغطية الاعلامية، فإن مشاهد الذبح والحرق والرمي من فوق اسطح البنايات التي بثها تنظيم داعش الارهابي والمشاهد الأخرى التي سربت عن أعمال قامت بها المليشيات المسلحة والتي تم تداولها على نطاق واسع تشكل نماذج لتعرض الاطفال العراقيين لمشاهد عنف بشعة تمحو وتدّمر كل سمات الطفولة وتخلق أجيالا جديدة ميالة للعنف، أو في أفضل الحالات لا مبالية إزاءه".

برامج لإطفاء الحرائق

ونحو إيجاد مساحة للبث تحاول إطفاء بعض من حرائق العنف، ينوه النصراوي بما تسعى بعض القنوات التلفزيونية العراقية إليه من خلال "تخفيف حدة الاستقطاب واللهجة الطائفية والعنف اللفظي في محاولة تجنيب الفئات العمرية الصغيرة تأثيرات الصراعات واحداث العنف".

ويعطي مثالا برنامج "المرسم الصغير" الذي يقدمه الفنان خالد جبر على قناة "العراقية" كأحد النماذج الايجابية، "ليس فقط من الناحية التربوية والاعلامية، بل أيضا في توفير فسحة من الوقت للانتقال إلى أجواء السلام والطمأنينة لدى الاطفال".

*الصورة: "يشكل الاطفال الشريحة العمرية الأكثر تأثرا بأحداث العنف في العراق"/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.