حسن عباس

"حتى في أسوأ الظروف، لا يزال الأطفال السوريون يرغبون في التعلم لأنهم يتطلعون الى مستقبل أفضل"، قالت هناء سنجر، ممثلة اليونيسف في سورية. ولكن ظروفاً كثيرة تتعاضد لمنع هؤلاء من تحقيق رغبتهم.

في مذكرة إعلامية أصدرتها قبل أيام، أكّدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن أكثر من مليوني طفل في سورية لن يتمكنوا من الدخول إلى المدارس هذا العام، إضافة إلى 400،000 طفل آخرين معرضين لخطر ترك الدراسة، علماً أن بعض أطفال سورية خسروا حتى الآن أربع سنوات من دراستهم.

وبحسب اليونيسف، فإن نحو 700 ألف طفل سوري لاجئ لا يمكنهم ارتياد المدارس في دول الجوار بسبب البنية التحتية التعليمية المنهكة.

إلغاء سنوات من الإنجاز في مجال التعليم

يفضّل البعض قراءة المشكلة على أنها مشكلة تأمين مقاعد دراسية، متجاهلاً عوامل كثيرة. على سبيل المثال، تم السنة الماضية توفير 100 ألف مقعد مجاني للأطفال السوريين في المدارس اللبنانية ضمن إطار مشروع مشترك بين وزارة التربية واليونيسف. ولكن فقط قرابة 40 ألفاً من هؤلاء تلقوا التعليم.

المسألة أكثر تعقيداً، ولفهم التعقيدات يمكن ضرب مثل ما يحصل في بلدة بر الياس اللبنانية. وشرح خالد الشيخ بكار، منسق ميداني في هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية، لموقع (إرفع صوتك)، أن البلدة تحتضن نحو 40 ألف لاجئ سوري، منهم قرابة 8000 طفل بعمر الدراسة. ولكن الجزء الأكبر منهم يقيم بعيداً عن وسط البلدة في مخيمات، وبالتالي قد يتسرّب الأطفال من المدرسة لأن أهلهم لا يتمكنون من تأمين المواصلات من وإلى المدرسة.

هذا عدا عدم استيعاب المدرسة الرسمية الوحيدة في البلدة لهذا العدد الكبير من التلامذة، إضافة إلى أن عنصر الخوف عليهم من التنقل يلعب دوراً ودون أن ننسى "مشكلة عمالة الأطفال وإجبار الأطفال على العمل مقابل 4 دولارات يومياً"، بحسب ما قال الصحافي والناشط في المجتمع المدني محمد حسن لموقع (إرفع صوتك).

وفي الداخل السوري، تتسبّب أعمال العنف وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على مناطق واسعة من البلاد بتسرّب أطفال من مدارسهم.

وروت ناشطة في مشاريع تعليمية وإغاثية في الداخل السوري، والتي رفضت الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، لموقع (إرفع صوتك) قصة مهجّري الزبداني الذين كانوا قد نزحوا إلى بلودان التي يسيطر عليها النظام السوري منذ نحو ثلاث سنوات. فقبل أشهر، حين شنّ الجيش السوري بمشاركة حزب الله هجوماً على البلدة للسيطرة عليها، ترافق ذلك مع طرد قوات الأمن لهؤلاء النازحين من بلودان وتهجيرهم مرّة ثانية فاضطروا إلى الذهب إلى قرية مضايا المحاصَرة وتوقف أولادهم عن تلقي التعليم.

وفي مناطق الرقة وريف دير الزور وريف حلب الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، حُرم نحو 670 ألف طفل من التعليم، بعد أن أغلق عناصر التنظيم المدارس في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلى حين تغيير المناهج ووضع مناهجهم الخاصة.

محاولات لتجاوز المرحلة الصعبة

للتخفيف من قسوة هذا الواقع، أطلقت اليونيسف هذا العام برنامجاً للتعليم غير الرسمي في سورية يستهدف أكثر من مليوني طفل. وفي لبنان، سيتم هذا العام توفير التعليم المجاني في المدارس الرسمية لـ 200 ألف طفل سوري (من أصل 400 ألف)، بالتعاون مع وزارة التربية السورية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ومنذ بداية الأزمة، أُطلقت مشاريع تعليم بديل. وأثبتت جمعيات قليلة أن مبادراتها في لبنان لها أهمية، فأنشأت مدارس و قامت بالتنسيق مع وزارة التربية اللبنانية لإعطاء التلامذة إفادات بأنهم مؤهلين للترفيع إلى سنة دراسية جديدة. ولكنها لا تستطيع احتواء أكثر من بضعة آلاف من التلامذة.

المتضررون حالياً سيتضررون في المستقبل

وأشار محمد حسن إلى أن "الانقطاع عن التعليم يؤدي مع مرور الوقت إلى انتزاع الذاكرة العلمية للأطفال وبقائهم بلا مؤهلات"، لافتاً إلى أنه يؤثر سليباً على قدرة الأطفال على صياغة الأفكار الحياتية ويؤدي إلى "انتشار الجهل وثقافات سلبيه كثيرة".

وأبدى الحقوقي السوري عبيدة فارس، مدير المعهد العربي للتنمية والمواطنة في لندن، قلقاً كبيراً على مستقبل الأطفال في سورية.

وشرح فارس لموقع (إرفع صوتك) الآثار المستقبلية المترتبة على توقف الأطفال عن الدراسة. فعلى المستوى الاقتصادي، سيولد "نقص في احتياجات سوق العمل في القطاعات التي تتطلب تعليماً". وعلى المستوى المعرفي، سوف نشهد "ارتفاعاً لمعدّلات الأمية، بما في ذلك الأمية التقليدية، ما يعني أن نسبة كبيرة من أفراد المجتمع لن تكون قادرة على المساهمة في العملية التنموية، ولن تكون قادرة على الاندماج مع التغيرات الحاصلة في عالم المعرفة".

ولفت فارس إلى أثر هام على المستوى الاجتماعي سينتج عن كون ظاهرة التسرّب من المدارس شائعة أكثر في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وقال "إنّ جيل الأطفال في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام سوف يشكّل في معظمه أساس العمالة الرخيصة، في مقابل تمركز الوظائف التي تعتمد على التعليم لدى الأطفال الحاليين في المناطق الأخرى".

هذا الواقع سيؤدي في المستقبل، بحسب فارس، إلى "ارتفاع معدّلات الاضطرابات الاجتماعية في المناطق التي تضمّ الأطفال الذين توقفوا عن الدراسة بما في ذلك ارتفاع معدّلات العنف والعنف الأسري والجريمة".

*الصورة: تلميذة سورية تنظر عبر ثغرة في جدار مدرسة في كوباني (عين العرب)/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".