محمد الدليمي

ما مستقبل طفل يتربى في مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أو غيره من التنظيمات والمجموعات المتطرفة؟ هل يستطيع هذا الطفل أن يصبح طياراً مثلاً؟ أو أن يدرس الطب أو الهندسة أو الاقتصاد؟ ومن سيعترف بشهادته الدراسية؟

أم إنه سيصبح مشروع انتحاري يفقده أبوه وأمه دون علمهم؟

هذه الأسئلة التي تواجه الآباء والأمهات ممن ووجدوا أنفسهم مجبرين على البقاء في مناطق سيطرة داعش، هي التي تدفع بالكثير منهم لمغادرة هذه المناطق إن وجدوا طريقاً للمغادرة.

فمنذ أواخر عام 2014 وتنظيم داعش يمنع أهالي العديد من المدن في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى من مغادرة مدنهم إلا بموافقة التنظيم، مع عدم السماح للأهالي باستصحاب أي ممتلكات معهم، ليقع السكان بين سندان داعش ومطرقة العمليات العسكرية التي تستهدف التنظيم.

العشرات من العائلات غادرت مؤخراً بشتى الوسائل، ومختلف الطرق. لكن آخرين ما زالوا يحاولون إيجاد طريق للهرب.

نقاط إعلامية

أحد الفارين من محافظة الأنبار قبل أيام اختار لنفسه اسم رائد الراوي. قال إن ابنه، أيمن، دفعه للمغادرة ولو كلفه ذلك "أغلى الأثمان".

في اتصال هاتفي مع موقع (إرفع صوتك) من مكان إقامته الجديد في تركيا، قال رائد إن "سبب هربي وتحملي كل هذه المخاطر هو إن ابني الذي أريده أن يصبح طبيباً، بدأت حياته تتغير وصرت أخاف أن اخسره".

ويؤكد "قررت حتى لو إحنا نموت، المهم هو يطلع حتى يعيش".

يبلغ عمر أيمن 11 سنة، وكان متميزا في صفوف دراسته الابتدائية التي أغلقت أبوابها وصار لا يجد ما يشغله  في يومه سوى اللعب مع أصدقائه.

يقول رائد إن تنظيم داعش نصب شاشات كبيرة قرب الأسواق في "نقاط إعلامية" تعرض عمليات عسكرية ومشاهد ذبح وقتل قام بها التنظيم .

ويضيف "يبدو أن أيمن شاهد عدداً من أفلامهم دون علمي. فبدأ لا ينام الليل بسبب الكوابيس، ليتطور الموضوع ليصبح تبولاً لا إراديا".

وجد رائد نفسه يبحث عن طبيب يعالج ابنه من الخوف المزمن والرعب الذي صار يرافقه مثل ظله.

لم تنته المشاكل هنا، بل رافقها مخاوف من القصف من الطائرات العراقية. خوف مستمر من توفير المعيشة والغذاء اليومي التي صارت أصعب من أي وقت آخر، حسب قول رائد.

كوابيس يومية 

تحدث أيمن عن ما كان يراه في الكوابيس. "خلوني اكعد على ركبتي، شدو إيدي من ورة... حتى يذبحوني".

كان حلم أيمن مطابقاً لما شاهده كثيرون من على شاشات التلفاز لضحايا قتلوا بطرق مختلفة من قبل عناصر تنظيم داعش.

"ردت أنهزم"، يستمر أيمن في وصف الكابوس، "بس رادوا يقتلون بابا وماما وصحت بيهم: أسوي أي شي تريدون".

لم يتمالك أيمن نفسه، فتفلت منه دمعات، رافقها صوت الأم والأب وهم يقولون له "محد يلمسك هسه صرنا بأمان".

*الصورة: العشرات من العائلات غادرت محافظة الأنبار مؤخراً/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".