جنى فواز الحسن

"لديّ طفل اسمه عمر، يخاف أن يقول اسمي عمر في المحيط أو السوق.. يقول إنّ اسمه حسين أو علاوي. يخاف من الطائفية"، هكذا تبدأ نورا أحمد حديثها حول تحدّيات تواجهها في تربية أبنائها الثلاثة.

وتضيف نورا التي تعيش في بغداد "الأطفال باتوا يشعرون بالخوف من دون أن نشرح لهم شيئاً حول هذه الأمور. قال السنّة وقال الشيعة.. عبارات يتداولونها في المدرسة أثناء أوقات الاستراحة ونحن نقول لهم ألّا يتكلّموا بهذه الطريقة".

يرفض عمر، أكبر أبناء نورا، أن يتحدّث طويلاً عبر الهاتف ويكتفي بالقول إنّه لا يحب دائماً الإفصاح عن اسمه، ربما لأنه علامة واضحة على انتمائه وعائلته للطائفة السنية في العراق.

"لا أحب أن أقول ما اسمي"، يشرح لنا عمر. "يقولون لي أنتم السبب في ظهور داعش. وأنا لم أفعل شيئاً".

تقول نورا إنّ أبناءها يسمعون عبارات مثل "أنتم قتلتم الحسين أو أنتم من جاء لنا بداعش وأولادي لا يفهمون كلّ هذه الأمور". وتتابع "أنا أقول لهم إنّنا جميعاً إخوة ولا فرق بين سنيّ وشيعي، لكن هذه الفتنة حين تنتشر.. لا تستطيع أن توقفها".

تشير نورا إلى أنّها تحاول حماية أولادها قدر المستطاع، لكنّها تتساءل "ماذا نفعل في عائلات أخرى تربي هذا الجيل بهذه الطريقة؟".

ماذا أقول لأولادي؟

عجز الأمهات عن شرح ما يحدث في بعض المجتمعات العربية من تفرقة طائفية، تؤدي الى العنف أحيانا، لأولادهم ليس أمراً غير مألوف. فهنّ لا يواجهن المجتمع الداخلي – أيّ نطاق الأسرة – فحسب، بل أيضاً عالماً خارجياً كاملاً يمكن في لحظات أن يصبح شديد التوحّش. وتصبح مهمة إضافية تقع على عاتق الأهالي وتستهلكهم، إذ يجب أن يحاولوا دائماً أن يشرحوا أهمية القيم الأخلاقية للأولاد.

منال امرأة تونسية تركت منزلها الزوجي بسبب ميل زوجها لـ "تربية متطرّفة" تشعرها بالخوف على أولادها.

تقول منال في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) "أقول لأبنائي دائماً إنّه عليهم التمسّك بقيم الخير والمحبة وعدم إلغاء أو إقصاء الآخر. لكن أشعر بالغضب في داخلهم بسبب غياب والدهم، وفي كثير من الأحيان لا أعرف ماذا أفعل ولا ماذا يمكن أن أقول".

ولدا منال في الرابعة والثامنة من العمر. تقول إنّ تربية ابنها الأكبر هي الأصعب لأنّه "كثير الأسئلة".

"يشاهد أحياناً أشياء على الانترنت أو على التلفزيون ويسألني لماذا يقولون أو يفعلون هذا. أقول له إنّ العنف حرام وإنّ الله لا يريدنا أن ندمّر بعضنا البعض".

أحذّر أبنائي من مواقع التواصل الاجتماعي

تقول اللّبنانية رولا رياشي، وهي أمّ لمراهقين في الرابعة عشر والحادية عشر من العمر، إنّها تحاول قدر الإمكان التصدّي للعنف والتطرّف من خلال طرق مباشرة وغير مباشرة.

وتضيف في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) "أحذّر أبنائي دائماً من مواقع التواصل الاجتماعي. أخبرهم كيف يتم تجنيد وتعبئة المراهقين عبر الانترنت للانضمام إلى الجماعات المتطرّفة وأطلب منهم أن يخبروني على الفور في حال تلقيهم أيّ رسالة عبر الفايسبوك مثلاً من أشخاص مجهولين".

وتتابع رولا "فيما يخص المشاهد العنيفة المتداولة عبر الانترنت والتي نراها عبر شاشات التلفزة، أعرف أنّه من شبه المستحيل مراقبة ما يشاهده أبنائي طوال الوقت. لهذا أحاول أن أزرع فيهم قيم أخرى وتوجيه اهتمامهم إلى ناحية مفيدة.. مثلاً أشجّعهم على متابعة كرة القدم عبر التلفاز وحتّى ممارستها لأنّها ستخرج طاقتهم الجسديّة بشكل إيجابي".

وتحاول رولا التركيز على الأعمال الإيجابية الموجودة في المجتمع لتخبر أولادها قصصاً عن شخصيات ملهمة، كالأميرة الراحلة دايانا. "فقد حدّثتهم مؤخراً مثلاً عن مدى لطفها ومساعدتها للناس. كذلك أخبرتهم قصة الأمّ تيريزا.. غالباً ما أروي لهم الحكايا بشكل متقطّع وبعيداً عن أسلوب الوعظ لكي أغذّي الجانب الإنساني فيهم".

أخبرهم قصص الأنبياء

إيمان موسوي من عُمان تقيم في بريطانيا مع زوجها وولديها. لكنّ إقامتها في الغرب لا تعفيها من مهمة توعية ولديها حول ما يجري في العالم. "

أقول لهما دائماً إنّه لا يجدر بنا أن نترك أيّ شيء يسمّم أفكارنا"، حسب قول إيمان. "ابني الأكبر لديه أصدقاء من كلّ الديانات وأنا أحثّه على مخالطة جميع الناس. أقول له لا تدع أحد يقنعك بأنّ انفتاحك على الآخر ليس قراراً صائباً. لقد أعطانا الله العقل لنميّز خياراتنا، لذا عليك أن تحمي طريقة تفكيرك".

تشر إيمان إلى أنّها تدرك عدم قدرتها على حماية ولديها من كلّ شيء وتقول إنّها لا تريد أن تخدعهم وتقول إنّ "العالم مكان وردي"، لذا تدعهم يشاهدون التلفزيون ويستعملون الانترنت لكنّها تحاول أن تبقيهم بعيدين عن وسائل التواصل الاجتماعي.

تقول إيمان "يسمع أولادي قصص الأنبياء في ديانات أخرى وأخبرهم القصص التي وردت في الإسلام، فيقولون إنّها نفس القصص. وهذا ما أقوله لهم.. لا فرق بين الديانات".

*الصورة: تحاول الأمّهات زراعة قيم الخير في أبنائهن كي يستمرّ الأمل/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".