تزخر الذاكرة العراقية بعشرات الألعاب الشعبية التي كان يلعبها أطفالُ العراق يوميا، وكان يندرُ أن يكون بينها ألعاب تحض على العنف.
أما في الأعياد، فكان أطفال العراق يصدحون بالغناء ويملأون الشوارع باللعب. وهذا المشهد بدأ بالغياب عن الشوارع رويداً رويداً، ليحل محله أطفالُ يحملون أسلحة بلاستيكية تستخدم ذخيرة بلاستيكية تحاكي الرصاص الحقيقي.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث يفضل الأطفال الألعاب النارية التي تصدر أصواتاً عالية عند تفجيرها. فصارت بعض المحال تبيع ما يطلق عليه "الرمانة"، وهي مفرقعة صوتية للأطفال لا يعلو فوق صوتها إلا أصوات تفجيرات حقيقية تهز هذه المدينة أو تلك.
ونتيجة هذه الألعاب، تستقبل مستشفيات العراق كل عامٍ الكثير من الأطفال ممن يصابون بطلقات بلاستيكية، وأدت ببعضهم بإصابات تصل إلى فقدان إحدى العينين وحروق مختلفة.
سلّم نفسك!
يقول علي الموسوي إن ابنه (حسن) يستقبله كل يوم بجملة "سلم نفسك"، وهو يحمل سلاحاً بلاستيكياً، وإن عليه أن يمثل "دور الإرهابي المستسلم والجاثي على ركبتيه".
"مجبر ألعب ويه ابني لعبة الحشد وداعش"، يقول علي الذي يملك متجراً لبيع الأجهزة الكهربائية شرق بغداد.
أما حسن، فرغم عمره الذي لا يتجاوز 9 سنوات فيقول بصوت مليء بالفخر والاعتزاز، "آني القائد هنا وبالمدرسة". ويكمل حسن "كلنا نلعب هذي اللعبة بالمدرسة. ولازم اللي أضربه يموت".
حسن ليس مختلفاً عن أقرانه، حيث يبدو أن المجتمع صار يتقبل فكرة الطفل والسلاح ويعتبرها جزءاً من حياته اليومية. أما والده فيجد نفسه مجبراً على الاستجابة لرغبات ابنه، الذي يبدأ بالبكاء إن حاول الرفض أو تأجيل وقت اللعب.
وإلا خسرنا جيلاً بأكمله
وسط إقبال منقطع النظير من الأطفال على شراء كل ما يماثل الأسلحة، ومع استسلام الآباء والأمهات لهذه الظاهرة، استغل التجار فرصة الربح السريع فأغرقوا الأسواق بهذه المنتجات.
وحاول البرلمان العراقي وفي مناسبات عدة، إصدار قانون يحرم استيراد الأسلحة البلاستيكية وحظر العديد من الألعاب النارية (التي يطلق عليها العراقيون تسمية الصعّادات). لكن لم تنجح تلك المحاولات حتى الآن.
وفي محافظات البصرة وميسان، سنت المجالس المحلية قوانين تحاول وقف مد هذه الأسلحة البلاستيكية، غير أنها منيت بالفشل وسط عدم تطبيق القوانين، فضلا عن الصلاحية الاتحادية المطلوبة لوقف الاستيراد.
يقول الناشط المدني عماد أحمد إن الجانب القانوني مهم جداً وإن مستقبل طفولة العراق مهدد بالخطر بسبب ما يلعبوه. "الكل يتفق على أهمية الألعاب في تكوين شخصية الطفل. ومن أول واجبات الدولة هو توفير البيئة السليمة والقوانين الرادعة لكل ما يعكر هذه البيئة".
ويضيف عماد، الذي ينشط في زيارة مؤسسات تعنى بشؤون الأطفال من روضات ودور لرعاية الأيتام ومستشفيات وغيرها، "أينما تذهب، ستجد أطفالاً يلعبون ألعاباً عنيفة. يخططون لاغتيال بعضهم، خطف بعضهم. ويحفظون من أسماء الأسلحة ما لم يكن يحفظه جندي في الجيش. يجب أن يتوقف كل هذا وإلا خسرنا جيلاً بأكمله سيخلق العنف وسيذهب ضحية لهذا العنف".
ألعاب الفيديو وبرامج التلفاز
لا يقتصر انتشار ألعاب العنف على الأسلحة البلاستيكة ويتجاوزه إلى عالم ألعاب الفيديو وبرامج التلفزيون ومنها الرسوم المتحركة. وفي دراسات مختلفة توصل باحثون إلى أن الأطفال الذين يشاهدون مشاهد عنف على التلفاز ولمدة ساعة واحدة يومياً يزداد احتمال تصنيفهم بالعدوانية لثلاثة أضعاف.
وتؤكد الدراسة أن الأطفال يتعلمون من الألعاب وبعض الرسوم المتحركة أن العنف مرح وليس له عواقب، فبموت بطل اللعبة ثم عودته للحياة "يعتقدون أنه ليست هناك عاقبة خطيرة من ضرب شخص ما في رأسه، وهو بالطبع أمر غير صحيح في عالم الواقع".
وتحذر دراسة أخرى من انخفاض نسبة التعارف بين الأطفال الذين يشاهدون مشاهد العنف، فضلا عن ارتفاع نسبة السلوك العدواني بينهم.
أخاف من العيد
سلمى الجبوري، امرأة عراقية وربة بيت، رأت خطورة هذه الألعاب مرأى العين حين كاد ابنها (مرتضى) ذو السبعة أعوام أن يفقد بصره في عيد الفطر عام 2013، بسبب إصابته بشرارة من الألعاب النارية (الصعّادات) التي يطلقها البعض احتفالا بالعيد.
تروي سلمى لموقع (إرفع صوتك) "دخل البيت وعينه اليمين تنزف ونصف وجهه مغطى بالدم، نجاني الله من جلطة من شدة خوفي وهلعي".
مرتضى كان محظوظاً، عكس غيره من الأطفال الذين رأتهم سلمى في المستشفى. فإصابته كانت تحت العين بقليل.
وبسبب إقبال الأطفال على الألعاب النارية والاسلحة البلاستيكية خلال أيام العيد تقول سلمى "صرت أخاف من العيد، لأن كل الأطفال يحملون أسلحة بلاستيكية والشارع مليء بأصوات تفجيرات وكلنا نعتقد أنها حقيقية".
كانت سلمى قد خسرت زوجها عام 2009 بعد مقتله في تفجير انتحاري. واليوم، تؤكد سلمى أنها ستفعل كل ما يمكنها للحفاظ على حياة ابنها.
"خسرت أبوه بتفجير، وما راح أخسر ابني بسبب ألعاب".
*الصورة: حاول البرلمان العراقي في عدة مناسبات حظر العديد من الألعاب النارية/وكالة الصحافة الفرنسية