بقلم علي عبد الأمير:
كأن ما يشهده الطفل العراقي بعد العام 2003، استمرار بطريقة او بأخرى لعنف متواصل، منذ أن طرقت الحرب في العام 1980 باب كل عائلة عراقية، لتحمل الموت والجروح والعذاب، ثم أهوال الحصار وما عنته من قسوة متصلة تكاد تخطف كل معنى للحياة الكريمة.
وحيال هذا الاستمرار لحياة من القسوة والتعب، بدا الطفل العراقي وأهله في مباراة دائمة مع العنف، الذي كان يسعى إلى تسجيل انتصاره على أجمل ما في الحياة: العيش الآمن المستقر. وبالتالي، كان "التعادل" هو بمثابة الفوز على خصم عنيد مسلح بكل أسباب الانتصار.
ترى هل يمكن إنقاذ الأمل ممثلا بالطفل العراقي في مباراة الوطن كله مع العنف؟ هل هناك وسائل لإنقاذ فرص تقدمه أمام هذا الخصم الشرس؟ وهل ثمة دور للاعلام يمكن فيه تقليل التأثير السلبي الذي تتركه مشاهد العنف التي تبثها وسائل الاعلام المرئية منها على وجه التحديد؟
عن هذا المعنى، تقول الكاتبة والاعلامية الأكاديمية ارادة الجبوري "بالرغم من وجود ثمة اجماع بين الباحثين والباحثات حول تأثير وسائل الإعلام (لاسيما المرئي منه)على الطفل، وتماهي الأطفال في أوضاع وظروف معينة مع مظاهر العنف ومضامينه في الرسائل الاعلامية بشكل مباشر أو غير مباشر، غير أن تلك الدراسات والبحوث لم تتعامل مع وسائل الاعلام بوصفها المسؤول الرئيس والوحيد عن سلوك الأطفال العنيف".
وتضيف الجبوري في مداخلة خاصة لموقع (إرفع صوتك) "إذا ما أردنا الحديث عن تأثير وسائل الاعلام سلبيا أو إيجابيا على الطفل انطلاقا من كون الاعلام مصدرا من مصادر التنشئة الاجتماعية ... يتوجب علينا طرح تساؤل يتعلق بهوية الرسائل التي يتلقاها: هل هي برامج ورسائل مخصصة له تلبي حاجاته العمرية ودوره الاجتماعي"؟
مظاهر العنف لدى الاطفال؟
ووجد الباحث في مركز ابحاث الطفولة والامومة بجامعة ديالى ( 60 كم شمالي شرق بغداد)، الدكتور جليل وادي، عبر دراسة ميدانية لأولياء أمور التلاميذ الصغار عددا من المؤشرات، منها:
*اقر غالبية الآباء أن أبنائهم اكتسبوا مظاهر عنف من التلفزيون، وقد تمثلت تلك المظاهر في سلوكيات عنيفة وعدوانية ضد الآخرين والأشياء.
* التفاعل مع الرسالة التلفزيونية العنيفة وصل عند نسبة كبيرة من الأطفال إلى مستوى " التقمص المستمر"، وتمثل ذلك في ممارسة الأطفال للعنف فعليا ضد الآخرين .
*الأطفال يتأثرون بمشاهد العنف المعروضة في التلفزيون أكثر من تلك التي يرونها في الحياة، وثم قيامهم بتقليد تلك المشاهد في سلوكهم اليومي.
*غياب متابعة الوالدين لما يعرضه التلفزيون يسهل اكتساب الأطفال لمظاهر العنف.
ولاحظ البحث عدداً من مظاهر العنف لدى الأطفال في عدد من مدارس المحافظة، التي عرفت مستويات عالية من العنف خلال السنوات الماضية، ومن تلك المظاهر:
1 ــ التشبه بالمجرمين واقتناء الأدوات الجارحة واستخدامها في مطاردة الأطفال ، فضلا عن تعريض الزملاء للخطر في مواقف معينة.
2 ـ الاعتداء جنسيا "على الأطفال الأصغر سنا".
3 ـ تكوين عصابات من جماعات اللعب، وايذاء الغير بشكل مباشر وغير مباشر.
4 ـ اللعب بالمفرقعات في الشوارع العامة والتلفظ بالفاظ تنطوي على عنف مثل (انتحاري، ناسفة ).
5 ـ تحطيم القطع الزجاجية والعلب الفارغة في الشوارع العامة، ورمي السيارات بالحجارة، وسرقة علامات المرور، وكسر مصابيح الانارة .
6 ـ عدم الاستجابة للنصح والارشاد من الآباء أو الاشخاص الأكبر سنا.
7 ـ الغناء بصوت عال جدا بما يثير تذمر الآخرين .
8 ـ تحدي الطلبة للمعلمين وعدم تنفيذ الواجبات، والتزوير والغش في الامتحانات.
9 ـ تحدي الأبناء للآباء والعبث بالجدران الداخلية للمنزل .
10ـ عدم التعاون مع الغير.
لا تربية للسلام بدون اعلام حقيقي
وفي الوقت الذي يؤكد الدكتور وادي على أهمية اعداد برامج من شأنها حث العائلة العراقية على تكوين عادات اتصالية سليمة مع التلفزيون صحبة اطفالهم الذين يعانون من "مرض الادمان التلفزيوني"، تشكك أستاذة الاعلام في جامعة بغداد ارادة الجبوري بقدرة وسائل الاعلام العراقية، وتحديدا المرئية منها، على انتهاج سياسة تربوية تعزز قيم السلام وتقلل آثار العنف بين الأطفال.
وتؤكد الجبوري "يبدو الحديث عن الاعلام بوصفه مصدرا من مصادر التوجيه نحو مضامين السلام ونبذ العنف نوعا من الخيال، مع الاخفاق الكبير في بناء مؤسسات إعلامية تمتلك الحد الأدنى من متطلبات الصناعة الاعلامية".
*الصورة: الطفل العراقي بعد 2003: مباراة غير متكافئة ضد العنف/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659