بقلم حسن عبّاس:

رآها ترسم قلباً بإصبعها على التراب. كان يتحدث مع والدها ووالدتها عن الصعوبات التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان.

نظر إليها وسألها "ماذا ترسمين؟" فأجابته "أرسم سورية". قال لها "ولكن هذه ليست سورية". فردّت أنها لا تعرف كيف ترسم سورية وتحب أن ترسمها هكذا.

هذه القصة رواها الصحافي والناشط في المجتمع المدني محمد حسن لموقع (إرفع صوتك).

كبروا قبل الأوان

وأكّدت سمر، عاملة اجتماعية في إحدى الجمعيات التي تعمل على دعم الأطفال السوريين نفسياً واجتماعياً، لموقع (إرفع صوتك)، أن "فكرة جني المال تسيطر على عقول الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان وذلك لتأمين إيجار بيتهم وطعام لهم ولأهلهم". وذكّرت سمر التي فضّلت عدم الكشف عن كامل هويتها بأن قسماً كبيراً منهم مجبر على جني المال إما من خلال التسوّل في الشارع أو من خلال ممارسة بعض الأعمال بأجر الزهيد.

وروت سلام، زميلة سمر في العمل، لموقع (إرفع صوتك) قصة طفل "كان يطلب منّا أن نوفّر له عملاً كلما أتى إلى المركز لتلقي جلسة علاج فردية، وكان يخبرنا بأنه بحاجة إلى ذلك لمساعدة أهله".

وتقول الناشطة في العمل الإغاثي والاجتماعي في محيط منطقة الزبداني سيرين بكر "تفكيرهم لم يعد تفكير أطفال. يفهمون ما يحصل حولهم تماماً كما الراشدين، ويستخدمون في كلامهم بصورة تلقائية كلمات الهدنة والمبادرة والحصار. كبروا قبل وقتهم لأنهم لا يخرجون من المنزل ليلهوا كما يفترض ويجالسون الكبار وينصتون إلى أحاديثهم على مدار الساعة"،

وقصّت بكر في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) قصّة ابنة أخيها ذات العشر سنوات والتي "تعطي جزءاً من حصتها الغذائية لأختها الصغرى وعمرها أربع سنوات وتقول: لتأكل حصتي فهي صغيرة ولا تفهم معنى الحصار".

حلم الدراسة المؤجل

تختلف نظرة السوريين إلى المدرسة والتعلّم. في لبنان، لفتت سلام إلى أن "أطفال كثيرون كانوا يأتون إلى مركزنا ويبكون بشدّة لأنهم علموا أن أهلهم لن يسجّلوهم في المدارس"، مضيفةً أن "أغلبيتهم يحبّون المدرسة لأنها المكان الوحيد الذي يوفّر لهم فسحة خارج المنزل".

وروت سلام أنه حين كانت المقاعد المتوفرة في المدارس الرسمية اللبنانية قليلة (قبل الموسم الدراسي الماضي) "كانوا يطلبون منا أن نساعدهم على حجز مقاعد لهم ويؤكدون لنا أنهم أذكياء ويحبون الدراسة".

ولكن يبدو أن الوضع الذي يعيشونه حالياً يؤثر على طريقة تفكيرهم بهذا الخصوص. ففي بلدة مضايا المحاصرة داخل سورية، شرحت بكر أن "الأولاد يسخرون من الذهاب إلى المدرسة وهم جوعى. أساساً يشعرون أنهم بلا فائدة لأنهم تأخروا في الدراسة ويشعرون أن الدراسة غير مجدية فبعض أصدقائهم المجتهدين قتلته القذائف".

يلهون بالموت!

"الحرب هي من ألعابهم المفضلة"، نقلت سمر واقع الأطفال اللاجئين في لبنان وشرحت أنهم غالباً "ينقسمون إلى مجموعات لها نفس تسميات المجموعات الموجودة في سورية".

وتابعت أنه خلال لعبهم، كثيراً ما "يصنعون توابيت من أيّة مادة يجدونها أمامهم. أحياناً يصنعونها من الوسادات، ويقولون إنهم كانوا ليكونوا داخله لو لم يخرجوا من بلدهم أو يقولون إن هذا ما سيحصل لهم في لبنان أو هنا يرقد الشهداء".

سلوكيات من رحم المعاناة

وشاهدت سلام خلال عملها بعض الأطفال الذين كانوا يتشاركون منزلهم مع عائلات أخرى "وكانوا معتادين على سماع كلمات التوبيخ داخل منزلهم كلما تسببوا بضجيج. ولذلك، اعتادوا المشي على رؤوس أصابعهم والكلام بصوت منخفض جداً. وانتقلت معهم هذه العادات إلى خارج المنزل".

لا تقتصر أسباب الضغوط النفسية التي يعاني منها الأطفال السوريون على ما قاسوه في سورية، "فأحياناً يكون السبب المعاملة التمييزية والمضايقات التي قد يتعرّضون لها في لبنان وتجعلهم يقولون لأننا سوريون يحصل معنا كذا أو كذا"، بحسب سمر التي نقلت متابعتها حالة طفل سوري عمره ثمان سنوات تعلّم اللهجة اللبنانية وصار يتحدث بها في المدرسة وفي البيت أيضاً. "وهذا طبعاً ردّ فعله اللاواعي لمواجهة التمييز ولكي يتقبله الناس".

وتابعت سمر أن "الأطفال الذين عاشوا معاناة قوية في سورية يفكرون كثيراً في الانتقام من الشخص الذي قتل أهلهم وبحمل السلاح والمشاركة في الحرب، فهنالك أطفال رأوا جثة والدهم أو والدتهم وهي مشوّهة. وتظهر على البعض عوارض التفكير بالانتحار أو ينزوون وينطوون".

الطفولة القاسية

مَن عاشوا المعاناة طويلاً تزداد حدّة ردّة فعلهم. "في أحد نشاطات الرسم الحر"، تقول بكر، "قال لي الأطفال أنهم يريدون أن يصبحوا في المستقبل مجاهدين أو تجار سلاح أو نجارين لعيدوا إصلاح البيوت المدمرة الكثيرة فيجنون الكثير من الأرباح. معظمهم كان تفكيرهم مادياً".

وروت إحدى الناشطات السوريات، وفضّلت عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، قصة طفلة صغيرة أخبرتها أنها تريد أن تؤلف كتاباً تروي فيه للعالم ما حلّ بسورية في حلم "يدلّ على شعور الأطفال السوريين بتخلّي العالم عنهم".

أما عن نظرتهم إلى المستقبل، فأكّدت بكر أنها ترتبط بنظرة أهلهم فـ "بعضهم مقتنع بأن الأزمة ستنتهي وسيشارك في إعمار البلد. وبعضهم يعتقد أن الكل سيموت عاجلاً أم آجلاً ويحلم بالهجرة ويقول أنه لم يعد يحب وطنه".

وبرغم كل هذه القسوة، تقول بكر، تبقى أحلام الأطفال حاضرة في كلام مَن كبّرتهم المآسي. هكذا يحلمون بانتهاء الحرب لأكل الشوكولا أو صحن من البطاطا المقلية يحرمهم منه الحصار حالياَ.

الصورة: أطفال سوريون يلهون فوق الركام في مدينة كوباني السورية/وكالة الصحافة الفرنسية

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.