بقلم ندى الوادي:

"إنها حرب، وقد استباحوا في هذه الحرب كل شيء حتى الأفكار". هذا ما يقوله فنان الراب التونسي محمد مهدي العكاري -المعروف بديجي كوستا- عن الأساليب التي يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في محاولاته لاستقطاب التونسيين. بعد أن فقد أخيه الذي ذهب للجهاد مع هذا التنظيم، قرر دي جي كوستا أن يحارب هذا التنظيم بالسلاح الوحيد الذي يمتلكه... فن الراب.

"أخذوك من أهلك.. لعبوا عليك .. غسلوا دماغك.. بالتوبة لعبوا على قلبك"، بأسلوب الراب يصرخ (دي جي كوستا) في إحدى أغنياته بهذه الكلمات، متعمداً أن يستهدف فئة الشباب التونسي الذي تم التغرير به للانضمام لهذا التنظيم المميت.

يسرد (دي جي كوستا) في حديثه خلال الحلقة الخامسة من برنامج (فردوس الضلال) على قناة الحرة قصته في تحليل الأساليب التي يستخدمها هذا التنظيم لاستقطاب الشباب في مجتمعه. فقده لشقيقه يوسف الذي ذهب للجهاد في سورية كان العامل الأكبر الذي جعله يشعر بالمسؤولية وحفزه على أن يفعل شيئاً. فكان الراب الذي اشتهر به هو الأسلوب الذي اختاره لمقاومة هذا الفكر.

راقب (دي جي كوستا) أساليب داعش في الاستقطاب طويلاً، وقام بتحليل المواد الفنية والدعائية والأقراص والأغنيات التي ينتجونها، واستفزه الخطاب الديني الذي يستخدمه بعض المشايخ على المنابر في تونس والتي حفزت الشباب على الذهاب للجهاد. يكاد (دي جي كوستا) أن يجزم في مقابلته أن داعش تستخدم المخدرات والحبوب مع من تستقطبهم.

هذا ما استنتجه بعد أن رأى صور أخيه، الذي كان حسبما يقول إنساناً مسالماً ولم يكن متديناً جداً. ويتساءل "ما الذي يدفع شخصاً بدأ بالصلاة منذ أربعة أشهر فقط أن يذهب للجهاد في سورية؟".

يقارن (دي جي كوستا) بين صور أخيه قبل ذهابه لسورية وصوره أثناء تواجده هناك ليركز على الهالات السوداء التي تحيط بعيني أخيه "هذه الهالات غير طبيعية... إنها المخدرات".

من الصعب التحقق مما يقوله (دي جي كوستا)، غير أن أسئلة محيرة كثيرة لا تزال تقف عائقاً أمام كل من يحاول فك طلاسم لغز انضمام المقاتلين إلى تنظيم داعش المعروف بوحشيته وعدم إنسانيته.

غير أن ما لا يصعب التحقق منه هو استنتاجه أن يأس الشباب العربي من التغيير في مجتمعاتهم هو أحد أهم الأسباب التي ساعدت ولا تزال تساعد داعش في عملياتها لاستقطاب الشباب. يقول (دي جي كوستا) "مشكلة أخي الرئيسية كانت بأنه لم يعد يستطيع العيش في تونس. لقد كان يشعر بالضيق وانعدام الأمل في أي تغيير. وكان يقول أن هناك الكثير من الظلم".

الغريب في القصة هي أن يوسف العكاري قرر بالفعل العودة إلى تونس بعد أن رأى تنظيم داعش على حقيقته. غير أن عودته إلى موطنه لم تكن موفقة، فقامت الشرطة بإيقافه لمدة ثلاثة أيام بعد عودته، ثم أطلقوا سراحه. ثم قبض عليه مرة أخرى لاحقاً "وتم تهديده من قبل أحد المتنفذين بوضع قنبلة في حقيبته"، حسب قول (دي جي كوستا).

وعن المصاعب التي واجهتها العائلة بعد عودة يوسف من سورية، يقول (دي جي كوستا) "داهمت فرقة مكافحة الارهاب منزلنا و سرقوا كل الحواسيب الموجودة وأخذوا كل شيء. وعندما نتحدث مع رئيس المحكمة أو وكيل الجمهورية يتحدث معنا باعتبارنا عائلة إرهابي. ونشعر أنه يتمنى أن يضعنا في السجن... نحن لا نعرف إن كان يوسف على صواب أم لا في شعوره بالظلم".

ويضيف، مخاطبا طيف أخيه "ما يوجعني أنني هنا أقبل عزاك... لو أنك ترى دموع أمك وأصحابك.. ربي يا عالي يغفر له ولو كان قد ظلم... والذين غروه لا ترحمهم يا الله".

*الصورة لـ(دي جي كوستا).

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".