بقلم علي عبد الأمير:
في الأردن حيث يمثل الشباب ما نسبته 73 بالمئة من تعداد السكان (من هم دون سن الخامسة والثلاثين)، يُعتبر إشراك وإدماج هذه الشريحة الهائلة في تحديد وبلورة الرؤية السياسية والاقتصادية للبلاد "مطلباً شعبياً وملكياً في آن واحد"، بحسب تعبير الناشط والأكاديمي الشاب عمر محمد داودية، الذي يوضح في مداخلة لموقع (إرفع صوتك) أنّه "لا يكاد يخلو خطاب أو حديث لجلالة الملك إلا ويتناول طموحات الشباب باعتبارهم العمق الاستراتيجي للدولة الأردنية"، مستدركاً "ما بين توجيهات الملك والمطالب الشعبية من جهة والملموس على أرض الواقع من تطبيق لهذه التطلعات، نجد هوة كبيرة تستحق التوقف عندها ومراجعتها".
وفي قراءة لصعود الحراك الشبابي السلمي في الأردن، يرى داودية أنّ "العنصر الشبابي برز ومطالبه بشكل لافت خلال صعود الحراك الأردني على الواجهة في ذروة الربيع العربي في الفترة ما بين 2011-2013. وكان المطلب الأول للحراك اجتثاث الفساد ومحاسبة رموزه والذين أدت برامجهم وخاصة تلك الاقتصادية إلى إثقال كاهل الدولة بمديونية هائلة وإلى تفشي البطالة بين الشباب، حيث وصلت نسبة العاطلين عن العمل الى 250 ألف عاطل، منهم 40% من حملة شهادة البكالوريوس. ولقد قدمت الدولة التي اتسم تعاملها مع الحراك بشكل عام "بالعقلانية" مجموعة من القرابين لتهدئة غليان الشارع كان أهمها محاكمة رئيس المخابرات السابق محمد الذهبي بتهمة الفساد وسجنه لاحقاً".
نحو "جبهة شبابية" فاعلة؟
وحول قدرة الشباب على تقديم البدائل العملية للإدارات ومناهج التفكير السائدة في البلاد، يضيف داودية "كاد الحراك الأردني أن يشكّل نواة لحزب رائد أو جبهة شبابية ذات مطالب نافذة، لولا عدة أسباب أفشلت هذه التجربة كان أهمها غياب التنظيم. حيث لا يملك الشباب تجربة سياسية يبنى عليها مع غياب التنظيم الحزبي، فإذا ما وضعنا جماعة "الإخوان المسلمين" جانباً، لا يوجد هناك أحزاب تملك شعارات وبرامج تستطيع فيها جذب أو استقطاب الشرائح الشبابية، والأحزاب التي ظهرت مؤخراً على الساحة نشأت في الدوائر المغلقة للدولة، حيث لا تبدو بنظر الشباب إلا أدوات تنشط عند الحاجة بإشارة وتوجيه وحتى تمويل من النظام".
ويخلص ناشطون، ومنهم داودية، إلى أنّ "تمكين القطاع الشبابي في الأردن ودفعه إلى الواجهة لا يزال مطلباً بعيد المنال. ومع اقتراب الإنتخابات البرلمانية، فإنّه من غير المتوقع تصدير قيادات شبابية في ظل ضعف الأحزاب حيث بات النجاح في الإنتخابات يعتمد إمّا على العمق القبلي والعشائري أو على النفوذ والثراء المالي، وبشكل عام فإنّ فرص النجاح يتنافس عليها الشيخ والتاجر. حتّى في المؤسسات المفصلية في الدولة، تعطى الأفضلية في توظيف وتصعيد قيادات شبابية لأبناء المسؤولين والذوات، والديوان الملكي ووزارة الخارجية أبرز مثالين على ذلك".
واذا كانت الأحاديث المغلقة للشباب في الاردن، تؤشر إلى تراجع الحراك وتوقف نشاطه بالهدوء "المؤقت"، قبل الخروج إلى الشارع مجدداً وهو أمر يصعب كما صعب سابقاً التنبؤ بتوقيته وحيثياته، إلّا أنّ تلك الأحاديث تبقي الباب مفتوحاً عبر القول إنّه "ليس هناك ما يمنع الدولة من طرح برنامج إصلاحي شامل يستقطب بـ مصداقيه و"جدية" شرائح الشباب التي لا تبدو في أفضل أحوالها و"رضاها" اليوم".
كم هائل من المعلومات لكنه معطّل!
وفي سياق الحديث عن "قدرة الشباب على تقديم رؤية واعية وحلول عملية"، يقول الناشط الحقوقي الأردني محمد الحسيني "نجد أنفسنا أمام تناقض كبير، فمن ناحية يمتلك الجيل الشاب إمكانات كبيرة للاطلاع على المعلومة والاستفادة من تجارب الآخرين نتيجة امتلاكه لمهارة التعامل مع التكنولوجيا وبالتحديد الانترنت. ومن ناحية أخرى، فإنّ هذا الجيل ذاته قد تم بناء فكره من خلال منظومة تعليمية غير كفوءة، وبالتالي فإنّه يفتقد إلى حد كبير إلى مهارات التحليل، وهو ما يعني عدم قدرة جزء كبير من الشباب على الاستفادة من كم المعلومات الهائل الذي توفره لهم التكنولوجيا".
ويعتبر الحسيني الذي يدير مركز مجتمع مدني يحمل اسم "هوية"، ذلك التناقض الذي أشار إليه سبباً "في سهولة سيطرة بعض الأفكار المتطرفة على سبيل المثال على أعداد لا يستهان بها من الشباب، وكذلك في وجود نوع من العبثية واللامبالاة في تعامل الشباب مع القضايا ذات الطابع السياسي أو العام. وعند إضافة عامل غياب ثقافة الحوار والنقد العلمي عن المدارس والعائلات، فيمكننا أن نفهم لماذا قد يكون الشاب إمّا غير مبالي على الإطلاق، أو يتعامل مع الأمور من منطلق عاطفي أو بأفكار مسبقة اكتسبها في بيئته الحاضنة".
بيئة طاردة للعمل العام
وبشأن الموقف من العمل العام عند الشباب، فيشير الحسيني إلى وجود قسمين:
الأوّل: يرفض تماماً التعاون مع أيّ جسد فكري أو تنظيمي أو سياسي ويختزل الموضوع "بعدم جدوى هذا الجسد وعجزه عن معالجة القضايا العامة".
الثاني: يتم استقطابه بسهولة والسيطرة عليه وتحويله إلى أداة بيد تنظيمات، بغض النظر عن ماهيتها.
وإذ يعتبر الحسيني هذا التقسيم دليلاً على "ضعف في البنية العلمية والثقافية الذاتية لدى الشباب"، فإنّه يربط الجو السلبي وافتقاد روح المبادرة مع "بيئة العمل العام كونها بيئة طاردة في مجملها إمّا بسبب البيروقراطية الشديدة أو بسبب الضغط الاجتماعي أو الأمني، وهو الأمر الذي يقلّل من فرصة وقدرة الشباب على الاندماج في هذه البيئة وبالتالي يقلل من قدرتهم على طرح تصورات وحلول عملية".
*الصورة: من إحدى مظاهرات الأردن / وكالة الصحافة الفرنسية.
9يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365