بقلم حسن عباس:

"الأحزاب والمؤسسات السياسية فقدت مصداقيتها بسقوطها في تكرار أخطاء الماضي التي انتفضنا ضدها"، يقول المدوّن التونسي والناشط عزيز عمامي، لافتاً إلى أنّ انسحاب الشباب من العمل السياسي هو "احتجاج على تعفّن الوضع".

خيبة أمل من الأحزاب

ويروي عمامي لموقع (إرفع صوتك) أنّه بعد الثورة، "اعتقد العديد من الشباب بإمكانية الفعل السياسي من خلال الأحزاب. لكن التجربة جعلتهم يدركون عمق الهوّة بينهم وبين جيل قديم لا زال يحتكم إلى مقولات الحرب الباردة، ويبحث دائماً عن الآخر المتآمر من دون أن يكون قادراً على رؤية واقعه، ويعتقد أنه نهاية حكمة التاريخ بينما تزخر قراراته بالحماقات".

ولتفسير عدم اهتمام الشباب التونسيين بالسياسة، يربط الناشط المدني إحسان عامري، 24 عاماً، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) بين هذه الظاهرة وبين "نقص الوعي السياسي لديهم، لكن بالأساس عدم ثقتهم بالسياسيين".

في تونس الآن 600 ألف عاطل عن العمل منهم 200 ألف حائز على شهادات جامعية. لذلك، فإنّ "اهتمامات الشباب التونسيين اليوم تتمحور بشكل أساسي حول القضايا المطلبية. فهم يريدون عملاً ويطالبون بتحسين وضعهم الاجتماعي على صعيد الرواتب والتعليم والمنح الدراسية"، يقول الصحافي الشاب أحمد نظيف لموقع (إرفع صوتك).

"ثمة انقسام في تونس ناجم عن الهوة بين الأجيال. يعاني الشباب صعوبة في إيجاد عمل ويشعرون بأنّهم مستبعدون عن المشهد السياسي الذي لا يزال يسيطر عليه سياسيون من الجيل القديم ووسائل العمل القديم في ممارسة السياسة"، يقول أنوار بوخرص في دراسة نشرتها مؤسسة كارنيغي.

وقد انعكس إحباط الشباب في تدني نسب مشاركتهم في الانتخابات. ففي الانتخابات التشريعية الأخيرة بلغت نسبة مشاركتهم 11% وفي الانتخابات الرئاسية 15%. علماً أن 27% فقط من الشباب اقترعوا في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بعد الثورة بفترة قصيرة.

ولمزيد من تهميش الشباب، يشير عمامي إلى أنّ السلطة تمعن في التضييق عليهم فـ"الآلاف في السجون بتهم واهية، عدا ملاحقة الملتزمين سياسياً أو نقابياً أو مدنياً ومضايقتهم بشكل متواصل، فلا يكاد يخلو يوم دون قضية أو إحالة على مجلس تأديب".

من جانبه، يعتبر عامري أنّ "إقصاء الحكومة الحالية للشباب هو انعكاس واضح للإرادة الحزبية، لأنّ الحكومة التونسية مكوّنة من تحالف يجمع أربعة أحزاب حاكمة لطالما أقصت الشباب من صناعة القرار".

"نوبل" للعمل المدني التونسي

"الأحزاب الحالية لا تفهم لفظ مشاركة الشباب إلا كمناضلين قاعديين"، يقول عمامي مؤكداً أن قلة من الشباب ترضى بذلك. كمثل على ذلك قال أن لا أحد يستطيع أن يقنع محسن مرزوق، الأمين العام لحزب نداء تونس، بأن شاباً من حزبه يحق له أن يسائله "فبالنسبة له هؤلاء "فروخ" وعليهم أن ينفذوا خططه وأن يروا العبقرية خارجة من كلماته ومن ربطة عنقه".

بعد الثورة، خاض إحسان عامري تجربة عمل حزبي يقول إنّه عرف من خلالها "أن الأحزاب السياسية في تونس ما زالت تعيش مراهقة سياسية ولم تنضج بعد". وهذا دفعه ومجموعة من الناشطين إلى تأسيس جمعية "إرادة ومواطنة" التي تعنى بالشباب والمرأة.

منذ كانون الثاني/ يناير 2011، تأسست عشرة آلاف جمعية جديدة، و"يمكن اعتبار هذه الظاهرة ردّة فعل الشباب على إقصائهم من الحياة السياسية"، وفقاً لعامري.

لم يؤسس شباب وشابات الثورة حركات سياسية وأحزاب، بحسب عمامي، "لأن الحزب، بمفهومه القديم، لا يمكن أن يكون إلا كتلة من الكذب والوعود التي لا تتحقق"، والسبب هو "منظومة الدولة القديمة التي لا تزال متماسكة".

ويشير إلى أنّ المجتمع المدني التونسي فاعل، "ومَن يستقل من العمل السياسي الكلاسيكي لا يُحبَط ويلزم بيته بل ينتقل إلى التزام آخر". ويرى أنّ تأثير منظمات المجتمع المدني ليس محدوداً فـ"لو كان محدوداً لما فازت بجائزة نوبل عبر الرباعي الراعي للحوار".

ويؤكّد أنّه "إنْ كنت شاباً في تونس وتعرضت للظلم، فإنّ المجتمع المدني أقدر على مساعدتك من الأحزاب. وإذا كانت لديك فكرة ما لتعديل قانون أو لاتخاذ إجراء ما، فإنّ فرص سماع صوتك أعلى بكثير عبر المجتمع المدني منه عبر الأحزاب".

أي دور للعمل المدني؟

"ليس من دور الجمعيات أن تكون شريكة في الحكم أو صاحبة قرار فالدور الأساسي للمجتمع المدني هو إما الضغط على السلطة لتغيير شيء ما وإما المبادرة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية"، يقول عامري مشيداً بالشباب الذين "أحسنوا القرار حين اختاروا العمل المدني على حساب العمل الحزبي. إذ تستطيع أن تكون سياسياً شاباً لا قرار لك وبذلك لا فاعلية لك بينما يمكن أن تكون ناشطاً مدنياً فاعلاً".

وبرأي عزيز عمامي، فضّل شباب الثورة "العودة إلى فضاءاتهم السابقة التي برعوا فيها، من إنترنت وشوارع وفضاءات ثقافية". ويؤكّد أنّهم أنجزوا الكثير من الأمور فـ"حين تراجع النصوص القانونية التي أُقرّت في السنوات التي أعقبت الثورة، وتقارنها بالمطالب التي رافقت الاحتجاجات والفعاليات الشبابية، ستدرك أن الشباب هو الذي فرض مطالبه كمبادئ مؤسسة للقوانين الجديدة".

لكن الفارق هو أن نشاط الشباب اتخذ شكل "المشاركة الحقيقية الفعالة، من خارج الأطر القديمة المتهاوية"، بحسب عمامي. وعن هذا الشكل الجديد للمشاركة ضرب مثل حملة "مانيش مسامح" ضد مشروع قانون المصالحة الذي طالب بإلغاء الأحكام ضد مَن اعتدوا على المال العام، مثيراً غضب الشباب.

ويلفت عمامي إلى أن هذه الحملة "فرضت على الطبقة السياسية مراجعة حساباتها ومخططاتها. وبعد أن انطلق مشروع القانون كأمر محتوم، ها هو قد أصبح الآن إشكالاً مجتمعياً قائماً وأزمة تم تصديرها إلى داخل الأحزاب الحاكمة".

الصورة: جانب من تظاهرة ضد قانون المصالحة في العاصمة تونس/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.