بقلم ندى الوادي:

تعاني البحرين منذ فبراير من العام 2011 من أزمة لا تزال تسيطر بظلالها على المناخ السياسي العام في المملكة الخليجية. كان لما أطلق عليه حينها "ثورات الربيع العربي" التأثير الأكبر على تحفيز الشباب البحريني للخروج في مسيرات ومظاهرات حاشدة للمطالبة بالإصلاح والتغيير، غير أنّ الحل الأمني الذي تم استخدامه للتعامل مع هذا الحراك أدخل البلاد في نفق مظلم منذ ذلك الحين.

المعارضة تراجع خياراتها

مؤخراً، خرجت إحدى قيادات المعارضة البحرينية ورئيسة اللجنة المركزية في جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) منيرة فخرو داعية إلى ضرورة أن تقوم المعارضة البحرينية بمراجعة خياراتها، وقالت في مقابلة أجرتها معها صحيفة الوسط البحرينية “لقد سكتنا كجمعيات سياسية مرخصة عن الأخطاء، وتركنا زمام الأمور بيد الشباب المتحمس".

ليست هذه هي المرة الأولى التي تطرح فيها فكرة ضرورة مراجعة المعارضة البحرينية لملفاتها وخياراتها، إذ أنّه خطاب مكرر على لسان عدد من الشخصيات البحرينية المؤثرة من داخل الشارع المعارض. ولعلّ أهم العوامل التي تدفع إلى هذا الطرح هو الشعور المتنامي بأنّ البحرين وصلت إلى طريق مسدود، وأنّ مصيرها متّصل بما يدور إقليمياً ودولياً، وليس ما يحدث محلياً. لكن هل أخطأت المعارضة البحرينية في تسليم زمام الوضع السياسي إلى الشباب في مرحلة من المراحل بالفعل؟ ومن الذي يقود الشارع المعارض في البحرين اليوم؟

الشباب محرّك المظاهرات 

يقول النائب البحريني السابق مطر مطر- والذي كان يوماً أصغر نائب في البرلمان البحريني - لموقع (إرفع صوتك) إنّ "الشباب كانوا بالفعل محركاً رئيسياً للمطالبة بالإصلاح السياسي في البحرين". ويؤكد أنّه "على الرغم من الجدل والأفكار المتباينة والحادة بين الشباب في شكل الإصلاحات وأسلوب الوصول إلى الإصلاحات التي يريدونها، إلّا أنهم لا يزالون يشاركون بعشرات الآلاف في التجمعات الجماهيرية التي تقودها المعارضة البحرينية". 

ويضيف "لا تزال الشريحة الرئيسية الغالبة على المشاركين في الحراك السياسي في البحرين هي شريحة الشباب، فهم يلبون النداء ويشاركون ويرفعون نفس الشعارات وفي خانة واحدة رغم تباينهم في الآراء".

فراغ في القيادة؟

بعد أن تمّ سجن قادة الصف الأول من المعارضة البحرينية، وآخرهم الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان، فهل يعاني الحراك البحريني من أزمة فراغ في القيادة؟ وهل يبدو الجيل الشاب قادراً على تفريخ قيادات جديدة تملأ هذا الفراغ؟ يجيب مطر "الوضع في البحرين يتجاوز مشكلة القيادات، فهو يتعدّاه إلى تهديد العمل السياسي بأكمله. ما يغيب عن الوفاق مثلاً ليس فقط رئيسها، لكن أيضاً المساحة للعمل السياسي. فلم تعد الوفاق مسموح لها بالعمل السياسي. هذا مسار غير مستقر أبداً".

لا يعتقد مطر بأنّ إيجاد قيادات جديدة للحراك البحريني المطالب بالإصلاح في هذه المرحلة أمر ممكن، لكنّه يعتقد بأنّ "وجوهاً جديدة يمكنها الظهور بأفكار لا تخرج كثيراً عن المبادئ العامة لهذا الحراك، والتي تدعو إلى الإصلاح السياسي والأخذ بمسار المطالبة بالتحول إلى مملكة دستورية عبر وسائل سلمية".

ويشير إلى أنّ "الحراك السياسي في البحرين تميز بمشاركة نسائية وشبابية واسعة"، قائلاً "لم تكن النساء مجرد أعداد مشاركة في التظاهرات، إذ حصدت العديد من الوجوه النسائية الشابة شهرة دولية واسعة سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو على الأرض، وشملت الاعتقالات التي تعرض لها المعارضون البحرينيون الكثير من القيادات النسائية". 

تشتت القيادة

يرى بعض المقربين من الحراك البحريني بأنّ هذا الحراك انطلق في الأساس بأفكار وأدوات شبابية، وأنّ المعارضة البحرينية حاولت أن تفرض قيادتها عليه، وقد أدّى تشتت القيادة والاختلاف على سقف المطالب إلى الإخفاق في الوصول إلى نتيجة مرضية ضمن منعطفات سياسية متعدّدة مرّت بها البلاد في السنوات الخمس الأخيرة. يرى البعض أيضاً بأنّ أيّ تسوية قد تصل إليها المعارضة مع الحكومة في البلاد سوف تعني بالضرورة عزل "العنصر الشبابي" – الذي قام بتشكيل جماعات سياسية متعددة - عن أي مشاركة سياسية.

أسئلة كثيرة تطرح حول الدور والموقف الذي يمكن أن يلعبه الشباب البحريني في مستقبل بلدهم الذي يعاني من أزمات اجتماعية وسياسية متعددة، ناهيك عن الانقسام الطائفي الحاد الذي خلفته الأزمة السياسية منذ العام 2011. حاول البعض القيام بمبادرات شبابية لرأب الصدع الطائفي، لكنّ كل هذه المحاولات لا تبدو فعالة في ظل وجود أزمة سياسية حقيقية لا تزال تلقي بظلالها على البلاد.

يقول مطر "سوف تترك الاعتقالات والتهديدات التي تعرض لها الشباب أثراً في مستوى المساحة المتاحة للعمل السياسي، فلم يعد هناك مساحة للشباب الذين خرجوا من السجن مثلاً بأن يرفعوا نفس الشعارات التي كانوا يرفعونها قبل السجن. الظروف تغيرت والتهديدات زادت على هؤلاء الشباب، لكنّ الأمر الثابت هو إصرارهم على المطالبة بالتغيير، وإن لم يكونوا يستطيعون البوح والحديث بصوت عالي، فلا يعني بأن آمالهم بالتغيير قد ماتت".

*الصورة: من إحتجاجات البحرين / وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".