بقلم محمد الدليمي:

الأمن وفرضه هو العنوان الأبرز في العالم، وخاصة بعد موجة من الاعتداءات الوحشية ضد المدنيين شنها عناصر تنظيم داعش في دول عربية وغربية عدة.

هذه العمليات، وغيرها من الأسباب، دفعت بالحكومات وأجهزتها الأمنية إلى فرض قيود على الحريات من خلال إعلان حالة الطوارئ وفرض قوانين مختلفة لتقييد بعض الحريات، مما أثار نقاشاً واسعاً حول جدلية الحرية والأمن، وتساؤلات عدة حول العلاقة بين الأمن والحرية: هل هي علاقة تكاملية أم إحلالية؟ بمعنى، هل يجب التخلي عن الحرية للحصول على الأمن أو العكس؟

Mousa-Barhouma

موقع (إرفع صوتك) أجرى حواراً مع الكاتب الأردني د. موسى برهومة، أستاذ الإعلام في الجامعة الأميركية في دبي حول هذه الجدلية.

الحرية هي الطريق للأمن

يرى الدكتور برهومة أن الحرية المسؤولة هي الحل الأمثل للحصول على الأمن. فهي تجعل من المواطن شريكاً ومنتمياً لوطنه ومدافعاً عنه بدون أن يُطلب منه ذلك.

ويقول برهومة إن الحرية "تجعل المواطنين شركاء في الحفاظ على كينونة الدولة، فهي تجعل المواطن عزيزاً منتمياً لهذه البقعة من الأرض ونظامها وأمنها".

أما عندما يُسلب المواطن من حرياته وتزداد عليه دائرة التضييق والإكراه والحرمان، "فالنتائج عكسية. حيث يؤدي هذا إلى إبعاده عن دائرة المشاركة العامة في هموم الوطن ومشاكله.. وكأنك تدفع به إلى الطرف الآخر".

ويقول برهومة نقبل بقيود على الحريات، ما دامت مؤقتة وقصيرة. ويتساءل "كيف يمكن أن أمارس الحياة بدون حرية؟"

اذا أردنا حلاً استراتيجياً لفكرة الارهاب

لا أحد مع الفوضى والإرهاب..

وعن قوانين الطوارئ وغيرها من القوانين التي تقيد الحريات العامة، يقول برهومة "هذه القوانين عندما تكون خارج سياقاتها الطبيعية تكون ذرائع  بيد السلطات السياسية"، وطالب بعلاقة تكاملية بين الحرية والأمن بدل أن تكون العلاقة إحلالية تجعل المواطن بين خيار مُر، فإما الحرية وإما الأمن.

برهومة يرى أن تقييد المجتمع وخنق حرياته هي "وصفة متكاملة لانهيار الدولة" من خلال إضعاف الحس بإنتماء المواطن. ويضيف "ينبغي أن يدرك الانسان العربي أن التخلي عن حريته ... يعني تخليه عن إنسانيته".

الحرية والأمن معاً

أن تنتقص حريتي، أن تجعلني ذليلاً

يقول برهومة إن النقاش الدائر حول العلاقة بين الأمن والحرية في مجتمعاتنا يعود إلى أسباب ثقافية وتاريخية تجعل من الحرية أمراً غير متأصلٍ في الثقافة العربية بصورة عامة.

وهو يتفق مع الرأي القائل أن حرية تداول الأفكار والنقاشات حولها من قبل مفكرين تؤدي بأفراد المجتمع لامتلاك قوة في المنطق وقدرة على النقاش الفكري، وهو ما سيقلل من انتشار الأفكار الطارئة والإرهابية في المجتمع.

زرعنا خوفاً.. وحصدنا إرهاباً

"نحنُ نريد أن نسلح هذا الشباب العربي بأسلحة مفهومية وفكرية وأن نمكنه من الدفاع عن مستقبله"، هكذا يلخص برهومة رسالته للشباب العربي.  ويؤكد أن ذلك يمكن أن يتحقق "من خلال أن نشعره بكرامته، بحريته، وأنه شريك في المستقبل. هذا الأمر يحتاج إلى أن تُعمم الحريات".

ويردف برهومة القول إن "المجتمعات العربية مجتمعات مفخخة" ومأزومة نتيجة حرمانها من الحريات.

 *الصورة: د. موسى برهومة/مواقع التواصل الاجتماعي

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".