بقلم علي عبد الأمير:
بحسب المثال العراقي، فإنّ الحرية التي وفرها سقوط النظام الديكتاتوري 2003 بدت شبه ضائعة، بل تكاد تفقد أي معنى مع غياب الأمن وفقدانه لأسباب شتى.
يختار أستاذ الإعلام والأكاديمي العراقي د. كاظم المقدادي سؤالاً كمقدمة لمداخلته حول هذا الموضوع، والتي خصّ بها موقع (إرفع صوتك)، وهو "كيف يمكن لنا أن نحافظ على الأمن دون فقدان الحرية؟ وكيف يمكن لنا أن نتظاهر يومياً من دون أن نخلّ بالأمن؟".
كراهية الدولة؟
ويوضح المقدادي "الثابت أنّ أفضل نعمة إنسانية وسياسية حصلنا عليها بعد التغيير الذي حصل في العراق هي حرية التعبير وحرية الرأي والرأي الآخر. والأهمّ من هذا أنّها كُفلت بالمادة الدستورية 38". لكنّ المشكلة في العراق، حسبما يقول المقدادي، هي الخلط والتصادم بين مفهومي الحرية والامن.
"أظنّ أنّ التوعية بالاتجاهين ظلّت ناقصة. رجل الأمن لم يتعوّد على متظاهر يدعو لإسقاط رئيس وزراء يعتقد أنّه هو من يمنحه كل سبل ورفاهية الحياة، كما أنّ المواطن يعتقد أنّ سلطة الدولة سلطة غاشمة يجب عدم احترامها".
وفي باب النقاش والمراجعة، يضيف المقدادي "أجزم أنّ سبب هذا الفهم الناقص هو عدم فهمنا لموضوع الديموقراطية التي يتولد منها مفهوم الحرية ومفهوم الأمن. الديموقراطية تعني وفي أبسط المفاهيم السياسية: المرور من الدولة الديموقراطية إلى المجتمع الديموقراطي، أيّ المرور من الدولة التي تكفل حرية المواطن إلى المجتمع الذي يحترم مؤسسات الدولة. لكن المواطن لم يتمرّن على الديموقراطية في العراق ولم يفهمها بالشكل الصحيح. هو يفهمها فقط عندما يشعر أنّ الخدمات ناقصة وأنّ الرواتب لا تلبي الحاجة، بمعنى أنّ المواطن يفهم الديموقراطية بشكلها المعيشي الآني وليس كمفهوم سياسي عام".
ويرى المقدادي أنّ هناك مشكلة حقيقية تعترض الأمن والحرية في العراق، هي عدم قناعة المواطن بنزاهة الأجهزة الأمنية، ونظرته إليها على أنّها أجهزة مرتشية غير فعالة. "ثمّ إنّ وجود جماعات مسلحة سائبة تفعل ما يحلو لها، وسلطتها أحياناً تكون أقوى من سلطة أجهزة الدولة، كذلك كثرة الأحزاب الدينية الممولة من الخارج. هذه الأحزاب تعتقد أنّها فوق الجميع. هذا وبسبب غياب الطبقة الوسطى الفاعلة في المجتمع وغياب دور المثقفين، لعبت الجماعات المسلحة السائبة دوراً خطيراً يساعدها بذلك انهماك الدولة بمحاربة تنظيم "داعش". وهنا تبرز حالة شاذة تعيق عملية البناء الديموقراطي، تتمثل بغياب الدولة لصالح الميلشيات والتنظيمات الإرهابية".
في "ساحة التحرير": مع الحرية ومع تحقيق الأمن؟
ويتطرق الكاتب والأكاديمي إلى أمثلة من ثنايا التجربة العراقية الحالية، وتحديداً موجة التظاهرات الاحتجاجية السلمية، ويقول "حيال هذا الواقع المرير، يصبح الحديث عن الحرية ترفاً بسبب عسكرة المجتمع وسيطرة القوى الطفيلية على مرافق الدولة المهمة. وهنا أعود إلى السؤال الذي بدأت به: كيف نحافظ على الأمن من دون فقدان الحرية، حتى ولو كان هذا الأمر يتحقق بدرجاته الدنيا؟".
ويؤكد "من خلال مشاركتي بالتظاهرات في ساحة التحرير، شعرت أنّنا كمتظاهرين بحاجة لوجود رجال الأمن بالقرب منا. كنّا نهتف ونرفع شعاراتنا بكل حرية وهذه حالة جديدة يمكن الوقوف عندها ودراستها، ففيها تحقق الأمن ومورست الحرية بشكل مقنع. والسبب بتقديري عائد إلى وجود مناخ صالح في ساحة التحرير: وعي المتظاهرين بضرورة احترام رجال الأمن لأنّهم يقومون بدور هام، ووعي آخر تبلور في تصرّفات رجال الأمن الذين فهموا الدور الحقيقي الذي يفترض القيام به".
ويستدرك الدكتور المقدادي أنّ "هذا الواقع الجديد لم يكن موجوداً في مظاهرات 2011 وكنت موجوداً آنذاك أيضاً. وأذكر كيف تمّ تفريق المتظاهرين بقسوة وبأمر من رئيس الوزراء السابق السيد المالكي".
ويخلص المقدادي إلى "في النهاية، نحتاج إلى وعي متبادل بضرورة التمتع بحرية غير منقوصة وضرورة وجود الأمن لحماية حرية المجتمع. وأظنّ أنّ وسائل الاعلام معنية بترسيخ مبادئ الحرية وضرورات الأمن".
*الصورة: كاظم المقدادي (في الوسط) خلال التظاهرات الاحتجاجية السلمية في ساحة التحرير ببغداد/من صفحته على فيسبوك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659