بقلم حسن عباس:
في كل الدول العربية، يدور سجال حامٍ حول كيفية الموازنة بين الأمن والحرية. ولعلّ هذا دليل على أن المواطنين لا يشعرون لا بالأمن ولا بالحرية.
التوازن الغائب
يقول الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، لموقع (إرفع صوتك) إنّ "السجال حول الأمن والحرية هو سجال عالمي. ولا يمكن التوفيق بين متطلباتهما بشكل كامل، وأيّ تهديد للأمن سيؤدي إلى تقليص الحرية"، داعياً إلى إيجاد معادلة تحقق التوازن بينهما.
وبواقعية شديدة، يتساءل نافعة "إذا غاب الأمن بالكامل وصارت حياة الناس مهدّدة ولا تستطيع ممارسة حرياتها فما قيمة الحرية في هذه الحالة؟"، مستنتجاً أن "الأمن مع الاستبداد قد يكون أقل كلفة من الفوضى" خاصّةً وأن "غريزة البقاء والحياة عند البشر أقوى من الحاجة إلى الحرية".
تواجه كل الدول تحديات أمنية تختلف مستوياتها بين دولة أخرى وتستجيب لها بطرق مختلفة. ويشير نافعة إلى أن "الاختلاف يتعلق بالتقاليد الديموقراطية وما إذا كانت مستقرة ولها جذور ثابتة، وبالثقافة السائدة ومدى ثقة الشعب بالنظام"، مؤكداً أن "التعاطي مع المسألة يختلف إذا كان النظام موثوقاً به ولا يتخذ من التهديد ذريعة لخنق الحريات".
استقرار سطحي واستقرار عميق
بعد تنبيهه إلى أنّ "الحرية تحتاج إلى أمن واستقرار اجتماعي وسياسي"، يميّز الكاتب السعودي ومدير مركز آفاق للدراسات والبحوث محمد محفوظ بين الاستقرار السطحي والاستقرار العميق.
ويلفت إلى أنّ "الاستقرار السطحي يساوي الكبت والقمع، أما الاستقرار العميق فيقوم على التكامل بين السلطة والناس"، معتبراً أنّه "في معظم الدول العربية، لا يوجد استقرار عميق إذ لا يوجد رضى شعبي على النخبة الحاكمة. وأغلب الدول تفهم تحقيق الاستقرار بمعنى اتخاذ المزيد من التدابير الأمنية والقمعية لإدامة الاستقرار الشكلي والظاهري".
وبرأيه، "نحن بحاجة إلى استقرار عميق وتحقيقه مرهون بمدى رضى الناس عن النظام ومدى توفر الحريات العامة، وهذا لا يتحقق إلا بالديموقراطية وبفتح المجال أمام المشاركة الشعبية في اختيار السلطة".
ويحذّر محفوظ من أنّ "المجتمع الذي تجلده السلطة السياسية لا يدافع عنها عندما تتعرض لتهديدات حقيقية من الخارج"، ضارباً مثلاً ما جرى في العراق عام 2003.
أمن النظام أم أمن المجتمع؟
التوازن الذي ينشأ بين الأمن والحرية يتوقّف، برأي نافعة، على طبيعة النظام السياسي، وعمّا إذا كان يبحث عن أمن النظام أم عن أمن المجتمع وأمن الدولة. ويشرح أنّ النظم الاستبدادية تحرص على أمن النظم أولاً بينما يكون تحقيق أمن المجتمع هو الأساس في النظم الديموقراطية التي تعبّر عن كل فئات الشعب.
ويشير إلى أن "الأنظمة الاستبدادية تهتم بالحفاظ على امتيازاتها وتدّعي أن أمن المجتمع مهدد بينما ما يكون مهدداً في الحقيقة هو أمن النظام". ويشرح أنّه "في أوقات كثيرة اتُّخذت ذريعة تهديد إسرائيل للتضييق على الحريات، وهو تهديد حقيقي. لكنّ الأنظمة لم تكن جادة في التصدي له. واكتفت بأخذ إسرائيل ذريعة لتبرير استمرارها ولممارسة النهب والفساد".
من جانبه، يعتبر محفوظ أن "الإشكالية الحقيقية هي في بنية الدولة العربية المعاصرة. فهي لم تكن دولة لجميع المواطنين بل دولة لبعضهم تستبعد جزءاً من المواطنين لأسباب سياسية أو دينية أو مذهبية أو قبلية أو جهوية. وقد عولج هذا الخلل بالقمع والاستبداد".
ويتابع أن "أغلب السلطات العربية لا تفكر في نظام سياسي مستقر إلى فترة زمنية طويلة، وتعمل على إدارة اللحظة. وهذا يغريها باستخدام أدوات القمع لتوفير حدود دنيا من الاستقرار السياسي".
طريق التغيير محفوف بالمخاطر
يؤكد محفوظ أن "الحريات تستحق دفع الشعب أثماناً لتحقيقها ولا تأتي بلا أثمان"، لكنّه يدعو إلى ضرورة الموازنة، أي إلى ضرورة مقارنة المكاسب بالخسائر قبل اتخاذ أيّة خطوة.
ولأن الأنظمة العربية عصيّة على التغيير وتهدّد بتفجير كل شيء قبل التخلي عن السلطة، يرى محفوظ أن "الإصلاح السياسي التدريجي، أي إصلاح النظام من داخله، هو أفضل الطرق"، وذلك لأن "إسقاط دولة وتدميرها وإلغاء المؤسسات وبناء دولة جديدة يؤدي إلى الفوضى".
لكنه يعترف بأن هذا النوع من الإصلاح "يتطلب استعداد النخب للقبول بالإصلاحات السياسية"، ويضيف أنه "يحتاج أيضاً إلى قوى مدنية وتجديد للثقافة العربية لقبول تقليل الإيديولوجيا لصالح العمل المدني".
ويقول "حتى لو انسدّ الأفق سنبقى نطالب بالإصلاح فزمن الثورات الشعبية انتهى وزمن الانتصارات الكاسحة انتهى والتسويات السياسية هي أفضل الخيارات للجميع".
وفي تعليقه على سؤال عن المعادلة التي تفرضها الأنظمة العربية على شعوبها ومختصرها "إما أنا أو الفوضى"، يشير نافعة إلى أن "الشعوب يجب أن تكون واعية وألا تنجرّ إلى هذه المعادلة التي تفرضها الأنظمة الاستبدادية، وأن تصوغ أشكال معارضة سلمية لا تسمح للنظام باستخدام القمع المكثّف. وبالتالي عليها ممارسة معارضة محسوبة لا تعطي للنظام فرصة لتحقيق أهدافه. فلا الفوضى مقبولة ولا الاستبداد مقبول".
أثناء وضع الدستور الأميركي، سُئل بنيامين فرانكلين، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية، عن رأيه في مسألة إعطاء الأولوية للأمن أم للحرية فأجاب "إن الذين يريدون مقايضة الأمن بالحرية، لن يحققوا لا الأمن ولا الحرية ولا يستحقونهما"، داعياً إلى خلق معادلة تحقق الأمرين معاً.
الصورة: مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن المصرية في القاهرة/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659