بقلم ندى الوادي:
تونس.. هل هي مثال مضيء للتغيير في المنطقة العربية التي تغرق في الظلمة الحالكة منذ ثورات ما أطلق عليه تسمية "الربيع العربي" أم أنها نموذج آخر لضياع الأمل وغياب تحقيق الأهداف التي قامت عليها "ثورة الياسمين" وسط التحديات الأمنية؟
ينقسم التونسيون اليوم في إجابتهم على هذا السؤال المحوري. وليس انقسامهم مستغرباً نظراً إلى التحديات الأمنية والإقليمية التي تواجهها بلادهم، والتي تركت تونس في صراع حقيقي بين تحقيق أهداف ثورتها من تأمين فرص العمل والحرية والكرامة الوطنية وبين مواجهة الإرهاب الذي صار يضرب العمق التونسي في الداخل.
ليبيا كانت تحمي تونس
ترجع أستاذة القانون منى الدريدي الإرهاب الذي يضرب تونس اليوم إلى العوامل الإقليمية بشكل رئيسي وأهمها المستوردة من ليبيا. وتقول لموقع (إرفع صوتك) "نحن اليوم بحاجة أن نقول بصراحة أنّ ليبيا كانت تحمي الحدود التونسية. وإذا أردنا أن نتخطى هذا الخطر يجب أن تتظافر الجهود الإقليمية من أجل ذلك".
وعلى الرغم من التحدي الأمني، ترى الدريدي أنّ تونس هي فعلاً النموذج الإيجابي الوحيد للتغيير بين الدول العربية. وتقول "لم يكن هناك ربيع عربي، لكن كان هناك ربيع تونسي فقط. فقد نجح التونسيون في تحقيق ما طمحوا إليه وخصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير. وقد عبر المجلس التأسيسي عن توافق نادر بين الطوائف السياسية المختلفة في تونس وأثبت قدرته على إنتاج نظام يقوم على التوازن السياسي ويستمد سلطته من الشعب وليس من سلطة تفرض هيمنتها على المجتمع".
"ليست نموذجاً إيجابياً"
وتختلف مع هذه الرؤية المدونة التونسية لينا بن مهني، صاحبة حساب ( بنية تونسية)، إذ ترى أنّ "تونس ليست بالفعل نموذجاً إيجابياً للتغيير بين بلدان ثورات ما أطلق عليه الربيع العربي". وتُرجع ذلك إلى العديد من المشكلات التي لم تتمكن تونس من تجاوزها حسب رأيها. تقول بن مهنى لموقع (إرفع صوتك) "لم تتحقق أغلب أهداف الثورة التونسية ولا نرى إرادة سياسية لتحقيقها، ناهيك عن أن التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه تونس بسبب الإرهاب الذي ضرب السياحة التي تعتبر عصب الاقتصاد في تونس. وأضف إلى ذلك غياب البرامج التشغيلية من قبل الحكومات التي تعاقبت على البلاد".
ترى بن مهنى أنّ المشهد ضبابي في تونس اليوم، إذ تشهد تونس حسب قولها اعتداءات متواصلة على الحريات وعلى حقوق الإنسان واستعمال العنف والتعذيب في مراكز الإيقاف والسجون مما يصل إلى القتل أحياناً. وتضيف "ما يزيد الأمر سوءاً هو المشهد السياسي التونسي. الحزب الحاكم اليوم منقسم إلى نصفين، وهناك صراعات من أجل المناصب والكراسي". كما تتساءل بن مهنى "ما هو مصير الشعب التونسي اليوم؟".
حكومة الترويكا
كثيرون يرجعون امتداد الإرهاب إلى العمق التونسي إلى تراخي ما أطلق عليه بحكومة الترويكا، أي الائتلاف الحاكم رئاسياً وحكومياً وبرلمانياً والمتكوّن من ثلاثة أحزاب ذات الأغلبية الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي التونسي.
تقول بن مهنى "التونسيون ليسوا متعودين على الإرهاب، فقد بدأ بعد انتخابات المجلس التأسيسي إذ تراخت حكومة الترويكا وتمّ السماح للمتطرفين بالعمل ضمن إطار جمعيات إسلامية. كان إطار هذه الجمعيات بشكل عام في ظاهره خيري، لكنه في واقع الأمر يقوم بجمع الأموال لتسفير التونسيين للجهاد في سوريا والعراق". أتاح هذا التراخي أيضاً الخطابات الدينية المتعصبة في المساجد التي كانت تدعو للعنف والكراهية والاغتيالات أحياناً، بحسب بن مهنى التي ترى أنّ "الحكومة لم تكن صارمة مع من بدأوا ينشرون ثقافة الإرهاب في تونس".
الحكومة لا تصنع المعجزات؟
ترفض الدريدي هذه الرؤية، إذ ترى أن الموضوعية تستدعي رؤية الصورة كاملة وليس فقط التمسك بإلقاء اللوم على الأطراف السياسية. تقول "تهمة التراخي يلصقها كل طرف سياسي بالآخر. نحن لا ننكر أنّ حكومة النهضة كانت متساهلة مع كافة الأطراف باسم الحرية والديمقراطية وتقبل الآخر واحترام جميع التوجهات. ولا ننكر بأن حزب النهضة كانت تنقصه الخبرة السياسية فهو لم يمارس الحكم من قبل وهو جديد على هذا الأمر، لكن لا يجب أن نغفل أنّ الإرهاب هو تهديد إقليمي له عوامل مؤثرة خارج النطاق المحلي التونسي". وتضيف "لا يمكن أن نطالب الحكومة الجديدة بمعجزات في زمن قياسي، نحن بحاجة إلى تظافر الجهود الإقليمية للقضاء على الإرهاب".
هذا التحدي الإقليمي الصعب برأيها يبرر الإجراءات الأمنية الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة الحالية، فحتى لو كان الثمن هو التضييق على بعض الحريات الفردية، إلا أنها بحسب قولها "ضمانة للحريات في المجتمع التونسي على المدى البعيد".
هل تعتقد أن تونس مثال ناجح للتغيير بين الدول العربية؟ تابع رأي لينا بن مهنى في حوارها مع موقع إرفع صوتك في الفيديو وشاركنا رأيك .
*الصورة: جانب من المظاهرات التي سبقت الإطاحة ببن علي/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659