بقلم جنى فواز الحسن:

عندما اندلعت المظاهرات المطالبة بالتغيير في العالم العربي، بدا من ضمن تبعاتها اضطراب الاستقرار الأمني الذي كان نوعاً ما يسودها. وبعدما كان الحراك يسمّى بالـ "ربيع العربي"، بات البعض يصفه بالـ "خريف العربي"، نظراً لما تلاه من تهجير وقتل ودمار من دون تحقيق التقدّم المنشود للشعوب المتمرّدة.

تراجع الأمن عربياً رافقته دعوات مناهضة للتغيير وحتّى العودة إلى مظلة "العسكر" كما حدث في مصر. وبات الكثيرون يحنّون إلى أيّام سادت فيها "الدكتاتوريات" لكن كانت أمور الحياة هادئة نسبياً. وبات السؤال الذي يُطرح على الكثير من النازحين والهاربين من الحروب "هل تندمون على الثورات؟".

التاريخ وقدر الدم

"لا نندم"، يقول أحمد الجرادي لموقع (إرفع صوتك)، "لكنّنا لسنا سعداء طبعاً".

ترك أحمد الرقة السورية قبل سيطرة تنظيم "داعش" على منطقته ونزح مع عائلته إلى تركيا. "كنّا نعلّق الآمال حين خرجنا في مظاهرات سلمية على تحقيق التغيير المنشود والآن نرى مناطقنا ومنازلنا مدمّرة ومصيرنا مجهول".

لكن أحمد يشير إلى أنّ "كل الثورات تحتاج إلى الدماء، هذا ما يقوله التاريخ، كأنّ قدر التغيير ألّا يتحقّق بلا عنف". يعود أحمد إلى فترة ما قبل خروج الناس في سورية إلى الشوارع للتظاهر ويقول إنّ "الأمن لم يكن مستتباً كما يعتقد الجميع".

ويضيف "كان هناك عنف يومي يمارس بحق كرامتنا. أعرف أقرباء لي في الشام لم يكونوا يتجرؤون على إرسال بناتهم للجامعات خوفاً من أن يثرن إعجاب أحد أتباع النظام ويتعرضن للاغتصاب مثلاً. هل كان يمكن تسمية هذا أمناً؟".

لكنّ مها قبوات لا تشارك أحمد الرأي، ونعتبر أنّ "الثمن الذي دفعه السوريون أكبر بكثير من أيّ مطلب". تقول لموقع (إرف صوتك) "لا أريد أن أتحدّث في السياسة، لكن لم يعد هناك أحد إلا ويحارب بأرض سورية. هل هذه الحرية التي طالب بها المتظاهرون؟".

الإرهاب كحجة للقضاء على التغيير

بالنسبة للّبناني بيار عقيقي "هناك من يستغل الظرف الأمني لمنع حركات التغيير من إتمام واجبها تجاه المجتمع والانسان". يقول بيار لموقع (إرفع صوتك) "في الواقع، إن معظم الانظمة العربية تتخذ من إرهاب الزمن الحالي حجة للقضاء على التغيير، عن طريق قمع الحريات. تلك الأنظمة، لا تبالي أساساً بالحريات والتغيير".

وإذ يعتبر بيار أنّ "الأمن ضروري ويشكل أولوية مطلقة"، يؤكّد أنّه "لا يجب أن يأتي على حساب التغيير". ويضيف "أعتقد انه في وسعنا المواءمة بين الأمن والتغيير، لأنّ التغيير حاجة تطويرية في المجتمع، والأمن أساس حماية التغيير لا ضربه".

يتحدّث بيار عن الوضع في بلاده، قائلاً "في لبنان مثلاً، لم تمنع اغتيالات وتفجيرات العام 2005 الشعب اللبناني من إكمال ثورة الأرز التي أدّت إلى خروج الجيش السوري من البلاد، بعد 30 عاماً من الاحتلال".

الأمر اختلف في الحراك الشعبي الأخير الذي قام في لبنان تحت شعار "طلعت ريحتكم"، بحسب بيار الذي يقول "في المرحلة اللاحقة، ضُرب التغيير بسلاح سياسي، أكتر منه أمنياً. بالتالي، فإنّ التدهور الأمني ليس سبباً لمنع التغيير أو قمعه".

الأولوية لمحاربة الإرهاب؟

السعودي أحمد الدوسري يعتقد أنّ "التغيير أمر ضروري دائماً،  لكن يجب علينا الانتباه قليلاً لما يُحاك لأمّتنا من محاولات لضرب أمنها واستقرارها. فالبعض يعمل علی استغلال التغيير الصحيح وتحويره عن أهدافه المشروعة".

ويضيف أحمد في حديث لموقع (إرفع صوتك) "أظنّ أنّه في وقت بات فيه الإرهاب عدوّنا الأوحد عالمياً، من الضروري أن نعمل سوية علی حماية بلادنا ومسارها الاقتصادي ونموها، عن طريق منح الاولوية لمحاربة الارهاب. بعدها يمكن طرح ما نشاء من بنود تطور بلادنا وتحفزها اقتصادياً وتسهل الاستثمارات فيها".

لا حرية من دون وعي

في مصر أيضاً، لم تبدُ ثورة 25 يناير كأنّها حققت المكاسب. وهو ما يوافق عليه الصحافي والكاتب المصري بلال رمضان، إذ يقول في حديث لموقع (إرفع صوتك) "أتصوّر أن ما شهده العالم من ثورات ومطالبات بالتغيير في السنوات الأخيرة في عدد من بلدان العالم العربي، لم يأت بثماره، أو بمعنى أدق بما كنا نطمح إليه وتحديداَ في مصر".

ويعزو بلال الأسباب "لعدة اعتبارات، أهمها، الوعي لدى عامة الناس، تلك الفئة الكبيرة الأشبه بالتربة التي جرفها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، الأمر الذي نتج عنه استغلال هذه الفئة أو "الضحك عليهم" إن جاز التعبير من أجل تشويه رموز سياسية كان شباب الثورة يأملون في وصولها إلى الحكم لتحقيق شعار الثورة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية". فكانت النتيجة باختيار من جعل من الدين شعاراً له، وشهد العالم كله نتيجة هذا الاختيار. وبالتالي فلم يكن أمام هذه الفئة التي لا تعرف الفرق بين نقد الحكم العسكري أو النظام العسكري والجيش الكثير من الخيارات، ولهذا فكان البحث عن الأمن هما تفوّق على البحث عن العيش في حرية".

ويشدّد بلال أنّه "لا بديل عنهما معاً"، أي الحرية والأمن. لكنّه يضيف عنصراً آخر للمعادلة، قائلاً "لا حرية بدون أمن، ولا حرية بدون وعي". وعوضاً عن ثنائية الأمن والحرية، يطرح ثلاثية "أمن، حرية، وعي".

*الصورة: من تظاهرات بيروت/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".