أربيل - بقلم متين أمين:

بات الأمن والحرية الشغل الشاغل لغالبية الأقليات الدينية في العراق. فأبناء هذه الأقليات، وبحسب ما يشيرون إليه، لم يعد باستطاعتهم ممارسة طقوسهم الدينية بحرية في غالبية مناطق العراق، خاصة في ظل فقدان الأمن وسيطرة مسلحي تنظيم "داعش" على مناطقهم وانتشار الفكر الديني المتشدد.

تهجير مستمر

يقول خضر دوملي، الباحث الأيزيدي المختص في شؤون الأقليات والإعلام وبناء السلام، لموقع (إرفع صوتك) إنّ "الواقع الحالي للأقليات وخاصة الأقليات الدينية في العراق لا يُحسد عليه. هناك ضغوطات كبيرة وهجمات مستمرة ضدهم منذ احتلال داعش لمناطقهم منذ العام الماضي. الحرية التي كانوا ينشدونها في وقت حزب البعث، لم يجدوها في النظام الجديد أو الدستور الجديد في 2005، رغم أنّه يتضمّن العديد من المواد التي تضمن الحريات الدينية".

ويضيف دوملي "فقدوا الأمن والأمان عند احتلال داعش لمناطقهم، فقدوا الحرية في التعبير عن مكنوناتهم بالشكل الذي يريدونه في العراق بشكل عام، والى حدما في بعض المواقف في إقليم كردستان بسب انتشار الأفكار التطرفية وخاصة التطرف الديني الإسلامي".

ويشير دوملي إلى أنّ "التشريعات الجديدة لم ترتق إلى ما كانوا يأملون به، بسبب استهداف داعش لهم مباشرة وهجرة الآلاف من الأيزيديين والمسيحيين والكاكائيين والصائبة والبهائية من البلاد. مما يعني إن حرية هؤلاء التي ضمنتها المقررات الدولية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان الأمم المتحدة للأقليات الدينية والعرقية والعديد من التشريعات الأُخرى، لم تطبق على أرض الواقع بسب قوة الهجمات الراديكالية وبسبب انتشار ثقافة رفض الآخر المختلف".

اضطهاد من نوع آخر

تعرّض أبناء الأقليات الدينية في سنجار وسهل نينوى في آب/أغسطس عام 2014 إلى هجمات تنظيم داعش الذي إرتكب جرائم مروعة ضد هذه المكونات، خاصة الأيزيديين الذين كانوا الأكثر تضرراً، حيث قتل التنظيم الآلاف من رجالهم وسبى نسائهم وأطفالهم وسلب أموالهم، الأمر الذي دفع هذه الأقليات إلى فقدان الثقة في العيش بأمان وممارسة طقوسها الدينية بحرية.

ويرى الناشط المسيحي غزوان إلياس، رئيس جمعية الثقافة الكلدانية في بلدة القوش، أنّ "هناك اضطهاد من نوع آخر يمارس ضد الأقليات الدينية وحريتها وهو يتمّ من خلال سن القوانين والتشريعات".

كتابات-حاضرة-على-جدران-كنيسة-العذراء-مريم1

ويقول في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "المناطق المحتلة من قبل داعش لا تمارس فيها الطقوس بالتأكيد لأنها تحت سيطرة التنظيم الذي لا يعترف بوجود الآخر ويفرض عليه الجزية أو الحد بالسيف أو الاستسلام، لكن المناطق الأخرى التي ليست تحت سيطرة داعش فبالتأكيد الطقوس الدينية موجودة. لكن المشكلة ليست في إقامة الطقوس، هناك اضطهاد آخر يمارس في سن القوانين ويتبلور في الممارسات الشخصية للموظفين في الدوائر الحكومية. هذه الممارسات تؤثر علينا، فالمادة 26 من البطاقة الوطنية العراقية هي اضطهاد فكري وليست اضطهاداً بالسلاح أو حد السيف".

ويضيف إلياس "نحن  بحاجة الى دستور  يحمي حقوقنا كمكون أصيل له تاريخ في هذه الأرض. عندما يكون هناك دستور وحكومة وقيادة تؤمن بأنّ المواطنون على حد سواء لهم الحقوق وعليهم الواجبات، حينها يسود الاستقرار في الوطن".

لم نفقد الأمل

وتؤكد الناشطة المندائية فائزة ذياب، رئيسة جمعية الثقافة المندائية، لموقع (إرفع صوتك) "حالنا كحال كل العراقيين الموجودين.. طبعاً الوضع الأمني قلق وغير مستقر. نحن نعيش حالة من عدم الاستقرار في كل مناطق العراق، لكننا لم نفقد الأمل ونتمنى أن تزول هذه الغمامة".

وتضيف ذياب "هناك أمل بأن يعود العراق أفضل مما كان عليه في السابق. أما بالنسبة لممارسة الطقوس الدينية، فنحن الآن نعيش  في أربيل بأمان ونمارس طقوسنا الدينية بحرية".

الكاكائيون فقدوا الأمان

أما الناشط الكاكائي نظر حسن سليمان، فيقول لموقع (إرفع صوتك) "كان الكاكائيون يمارسون طقوسهم الدينية والاجتماعية وخصوصياتهم بشكل طبيعي قبل مجيء داعش. وبعد احتلال الدولة الإسلامية لمناطقهم وهدم معابدهم ودور العبادة، فقدوا الأمل بممارسة طقوسهم الدينية".

ويتابع كاكائي "بالنيابة عن الأغلبية في الديانة الكاكائية (اليارسانية)، زرنا برلمان كردستان للمطالبة بحقوقنا ولتثبيتها في دستور إقليم كردستان لكي نعيش بأمان ولكي يتسنى لنا ممارسة حقوقنا الدينية ونحصل على هويتنا الدينية بشكل رسمي، حالنا كحال الأقليات الدينية الأخرى في إقليم كردستان. لكن لحد الآن لم نرَ إستجابة إيجابية من قبل حكومة إقليم كردستان أو برلمان كردستان. لذلك فقدنا الأمل وفقدنا الأمان في ممارستنا شعائرنا وطقوسنا الدينية".

*الصورة 1: تهجير الأيزيديين/وكالة الصحافة الفرنسية

*الصورة 2: كتابات على جدران كنيسة العذراء مريم في بغداد/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".