المغرب – بقلم زينون عبد العالي:
أثار قيام الحكومة المغربية بإجراء تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب خلال السنة الماضية مخاوف عدة من استغلال المتطرفين لهذه المراجعة، وتسخيرها لصالح خدمة أهدافهم وغاياتهم.
التعديل فرضته المتغيرات الإقليمية والدولية خاصّةً في ظلّ تزايد عدد المقاتلين المغاربة في صفوف الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط (سورية والعراق)، حيث شدّد الخناق على معاقبة أي شخص حاول الالتحاق بمناطق التوتر والمواجهات، كما اعتبر أنّ "نية السفر إلى هذه المناطق تحكمها دوافع ونوايا إرهابية".
مجال حرية أوسع
غير أن التعديل الجديد الذي أقرّته الحكومة المغربية والذي نصّ على تخفيض عقوبة "التحريض على ارتكاب الجريمة الإرهابية، والقيام بأي فعل من أفعال الدعاية أو الإشادة أو الترويج لفائدة الكيانات أو التنظيمات أو العصابات أو الجماعات الإرهابية" إلى السجن المحدد ( من 5 إلى 15 سنة وغرامات مالية) بعدما كانت تصل عقوبة ذلك إلى الإعدام أو السجن المؤبد، أثار مخاوف كثيرة بشأن استغلال هذه التخفيضات من أجل "تنفيذ مخططاتهم ونشر أفكارهم المتطرفة" خاصّة وأنّ السبل إلى ذلك أصبحت كثيرة وصعبة الضبط والتحكم، وتتيح حرية أكبر للتعبير عن الآراء والتأثير في المتلقي.
متطرفون يستغلون الحرية
وإذا كانت السلطات المغربية لا تعلن بشكل مباشر عن رقابتها على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن ذلك فتح مجالاً أمام العديد من الأشخاص الذين استغلوا هذه المنابر لنشر أفكارهم المتطرفة، أمثال الشيخ عبد الله النهاري الذي أثار جدلاً واسعاً في المغرب بعدما استباح دم صحفي مغربي شارك في برنامج تلفزيوني ووصفه بـ"الديوث الذي يجب قتله"، والشيخ "عبد الحميد أبو النعيم" الذي كفر الناشط الأمازيغي أحمد عصيد، وزعيم حزب الاتحاد الاشتراكي ذي المرجعية اليسارية. لكن ضغط الناشطين الحقوقيين وجمعيات حقوق الإنسان بالمغرب عجّل بتدخل السلطات من أجل محاكمة هؤلاء.
لا إمكانية لاستغلال الحرية
وفي هذا الصدد، يقول المحلل القانوني خالد الإدريسي في تصريح خاص لموقع (إرفع صوتك) إنّ "إمكانية استغلال المتشددين للتعديلات القانونية التي تجرم الاشادة الإرهاب تبقى جد ضئيلة، على اعتبار أنّ هذا التعديل لا ينفي معاقبة بعض الإسلاميين المتطرفين الذين يعبرون عن آراء تحرض أو تشيد بارتكاب جرائم إرهابية".
ويعبّر المتحدث عن تخوفه من أن "يُستعمَل هذا القانون بشكل معاكس وسلبي، وذلك من خلال استغلاله من أجل متابعة بعض الأقلام الحرة في المغرب".
الدولة تراقب
ويضيف الإدريسي الذي يشتغل محامياً بهيئة الرباط أنّ "للدولة المغربية كامل الحق، عن طريق النيابة العامة، في البحث عن الجرائم المرتكبة ومقترفيها سواء داخل العالم الواقعي أو العالم الافتراضي، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي. ولعلّ متابعة قضاة حالياً على آراءهم المدرجة على صفحاتهم على "فيسبوك" دلالة واضحة على هذا الأمر".
ويتابع الإدريسي "وبالتالي، فإنّ المجال مفتوح أمام الجهات المختصّة لمتابعة أيّ شخص يقوم بالتحريض والإشادة بارتكاب جرائم إرهابية".
استغلال الحرية خطر على الأمن
وللمواطنين المغاربة قولهم في هذا التعديل، حيث يقول المواطن المغربي عبد الناصر الكواي، 30 عاماً، إنّ "المتطرفين الذين يستغلون تخفيض العقوبات، يشكلون في ضوء حالة الاستنفار التي يشهدها المغرب على غرار عدد من الدول في التصدي لعمليات إرهابية محتملة، خطراً متزايداً على الأمن الذي تعتز بلادنا بالحفاظ عليه منذ أحداث 2003. فكيف نسعى لتطويق الإرهاب والتطرف وفي نفس الوقت نسن قوانين وتشريعات تتّسم بالتسامح مع المحرضين عليه؟".
تخفيض العقوبة محفز لنشر التطرف
ويرى الكواي أنّ "نشر الأفكار المسمومة والملغومة لا يقتصر على المتطرفين الإسلاميين، بل هناك أنواع أخرى من التطرف من قبل جهات أخرى. فليتساوى الجميع بالعقاب".
لكن الكواي يستدرك "العقوبات الردعية والسالبة للحرية وما شابهها لم تكن يوماً هي الحل الأمثل. على الدولة والمثقفين وغيرهم من الفاعلين البحث عن سبل أخرى تخلق نوعاً من الحصانة لدى المجتمع عامة وفئة الشباب وبسطاء الثقافة الذين يكونون هدفاً لهذه السموم المدسوسة، وإن كنت أرى أن تخفيض العقوبات قد يحفز بعض المتطرفين حقاً على التمادي أكثر في نشر أفكارهم الظلامية بالفعل".
ما الغرض من تخفيض عقوبة التحريض؟
من جهة أخرى تستغرب الناشطة الحقوقية بشرى عبدو هذه التعديلات التي قد تستغل لنشر أفكار تحريضية ومهددة للأمن والحرية، وتقول في تصريح لموقع (إرفع صوتك) "أنا لا استوعب حتى الساعة لماذا الدعوة لمثل هذه التعديلات؟ هل هي مقصودة من أجل تقوية التطرّف داخل البلاد ونشر الأفكار التحريضية والتكفيرية أم أن هناك أغراض أخرى سياسية؟ يبقى القانون الرادع الوحيد من أجل الحد ومناهضة هذه الأفكار المتطرفة للعديد من شيوخ الظلام، والتي أصبحت منتشرة بشكل خطير في أغلبية المواقع الاجتماعية التي تدعو للقتل والتكفير".
وتضيف المتحدثة التي تنشط في منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب "هذا لا يعقل، خاصة وأن مواقع التواصل الاجتماعي التي تفرّخ يومياً المئات من الشباب الذين يحملون الفكر المتطرّف والدولة لا تحرك ساكنا في هذا الشأن. وفي نفس الوقت، نجد مطالب بالتعديلات من أجل التخفيف من العقوبات السجنية في حق المحرضين والمشيدين بالإرهاب ومهددي الحرية".
الصورة: "مواقع التواصل الاجتماعي تفرّخ يومياً المئات من الشباب الذين يحملون الفكر المتطرّف"/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659