بقلم علي عبد الأمير:
يرى الباحث والكاتب السعودي، كامل عبد الحميد الخطي، إنّ ثنائية الأمن والحريّة، والجدل الذي يدور حولها بعد وقوع حوادث كبرى مثل أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، وما تلاها من هجمات رَوّعَت المجتمعات الغربية، وآخرها "مذبحة باريس"، هو جدل أكثر حيوية في المجتمعات التي تحكمها أنظمة ديمقراطية حيث الحريات تكفلها الدساتير، وحيث الشعوب مصادر الشرعيات، فيما تبدو قضايا الحرية والأمن وغيرهما في دول الخليج، "عطايا" الأنظمة الحاكمة لمواطنيها "الرعايا".
الغرب حيث مركز الحدث
وفي معاينته للنقاش في سياقه الغربي، حيث مركز الحدث المتمثل بتهديدات تنظيم داعش لا ينسى الباحث السعودي التأكيد "أنا لست من المؤمنين بالتفسير التآمري للتاريخ"، مستدركاً "ولكنّي، في نفس الوقت، أعتبر أنّ استبعاد التفسير التآمري كأداة من أدوات فهم ديناميكيات السياسة، ضرب من ضروب السذاجة السياسية. فقد لا يكون لصانعي السياسة من اليمينيين إسهام مباشر في تخطيط أو تسهيل الهجمات الإرهابية التي استهدفت دولاً في أوروبا الغربية وفي أميركا، ولكن هذه الهجمات شَكّلَتْ فرصة سانحة لليمين الغربي لكي يرفع الصوت عالياً في نقاشه خطر اتساع هوامش الحريات وارتفاع سقوفها، على اعتبار أنّ الهوامش الواسعة والأسقف المرتفعة للحريات، تسببت في حدوث الثغرات التي تسلل منها التشدد الذي هو منشأ التطرّف الذي يغذي الإرهاب".
وفي هذا السياق يوضح الخطي في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) "على العموم، جدلية الأمن أو الحرية، جدلية غربية بامتياز، لما للحريات من أهمية بالغة في النظام الرأسمالي، حيث الدولة لا تُمارس أنشطة اقتصادية تدر عليها أرباحاً ومداخيل تغذي بها خزينتها، أو تمول بها نفقاتها. الدولة في النظام الرأسمالي تعتمد على دافع الضرائب الذي يمنح بصوته السلطة والصلاحية للدولة التي تتكفل بموجب الدساتير والقوانين المسنونة تحت سقفها، بتقديم خدمات الأمن، والقانون، وصيانة الحريات الشخصية في التعبير، والاعتقاد، والنقد، والاحتجاج".
في الخليج: الأنظمة لن تتنازل عن سلطاتها المطلقة
هذا النموذج السياسي (الغربي) غير معتمد في غالبية دول العالم الثالث، خصوصاً دول منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط، وهو ما يتوقف عنده الباحث الخطي مطولاً بالقول إن "تلك الدول اعتمدت نموذجاً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، لا يقوم فيه الحاكم بجباية ضريبة الدخل من مواطنيه، ولا حتى ضريبة القيمة المُضافة؛ بل أنّ دول الخليج العربي الغنية بالنفط تعتمد نموذج "دولة الرعاية". نموذج "دولة الرعاية" يغلق أو يضيق هوامش الحريات، فطالما أنّ المواطن غير مكلّف بالإسهام في أعباء النظام المالية، فلا حرية يمكن أن ينالها من خلال المطالبة، وما يُلْحَظ من هوامش تعبيرية أو تمثيليّة برلمانية - نموذج الكويت - هو منحة من النظام الحاكم، وَإِنْ تلقى المثقفون الخليجيون هذا الرأي بالرفض! في إطار اجتماعي-ثقافي-سياسي كالأُطر السائدة في دول الخليج الغنية بالنفط، تنتفي أو تقل أهمية الجدل حول ثنائية الأمن أو الحرية".
وفي حين يستبعد الخطي "إبقاء أنظمة الحكم في دول الخليج الغنية بالنفط، على هذا النموذج وما ينتج عنه من صيغة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، إلى الأبد، فللحداثة ولما بعد الحداثة استحقاقات لا بد من الوفاء بها"، إلا أنه يؤكد "لكن الوفاء باستحقاقات الحداثة واستحقاقات ما بعد الحداثة، لن يعني قيام هذه الأنظمة بالتنازل عن سلطاتها المطلقة بين عشية وضحاها، فالأمر أعقد من أن يتم بهذه السهولة وهذه المباشرة".
أب رحيم لا يحب الحرية!
وينظر الخطي إلى "العقود الاجتماعية التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في أنظمة دول الخليج"، بكونها تختلف جذرياً عن العقود الاجتماعية التي تنظم ذات العلاقة في الأنظمة الديمقراطية: "فجميع الأسر الحاكمة في دول الخليج، أخذت الحكم بالتغلب، فحازت نتيجة تغلبها، على سلطات مطلقة، ولم يحدث حتى الوقت الراهن تغيير يضطر هذه الأنظمة إلى مشاركة مواطنيها في القرار السياسي، بل إن مواطني دول الخليج لا يزالوا على درجة "رعايا". أنظمة الحكم هذه، استمدت كنهها من فترات تاريخية سبقت تدفق النفط حيث كانت القوة التي تفرض الأمن هي المقابل لما كانت تتقاضاه هذه الأنظمة من مكوس وجبايات من رعاياها، وبعد تدفق النفط، عَدَّلت هذه الأنظمة في صيغة العلاقة، وتنازلت عن الجباية، وأنفقت فوائض العوائد النفطية على رفاه ورغد عيش رعاياها الذين فقدوا تلقائياً، نتيجة هذه الرعاية الأبوية التي مارستها الأنظمة، الحق في المشاركة السياسية، وفي حرية التعبير عن الرأي، وحرية الاحتجاج، وحرية اختيار الممثل السياسي، باستثناء الكويت، وبعض الإصلاحات الجزئية في البحرين، وعمان، وبدرجة أقل، في قطر ودولة الإمارات".
*الصورة: أحد مؤتمرات القمة لمجلس التعاون الخليجي/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659