المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

على الرغم من الجهود التي يبذلها المغرب للتقليص من حدّة الفقر والفوارق الاجتماعية بين المواطنين، إلا أنّ الإحصائيات الصادرة عن المؤسسات الدولية وحتى الوطنية ذات الصبغة الرسمية لا زالت ترسم خريطة صادمة للفقر في المملكة.

ووثّقت المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة مغربية رسمية تعنى بدراسة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، في آخر إحصاءاتها وجود معدلات مرتفعة للفقر في صفوف المواطنين.  إذ لا زال حوالي 14.2 بالمئة من المغاربة فقراء، يعيش 4.2 منهم تحت خط الفقر.

فيما تأتي المناطق القروية في المقدمة من حيت ارتفاع نسبة الفقر، والتي بلغت 22 بالمئة، وقرابة 8 بالمئة في المناطق الحضرية.

كما تشير الإحصائيات الأخيرة لمنظمة فاو للأغذية والزراعة إلى أن نسبة  المغاربة الذين يتقاضون أقل من دولار واحد في اليوم تصل إلى 1.8 بالمئة من مجموع السكان البالغ عددهم 34 مليون نسمة. فيما تصل نسبة الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم إلى 11 في المئة، أي أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مواطن.

مبادرة تنموية حكومية

أطلق المغرب "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" عام 2005، كخطوة تروم التخفيف من شدة الفقر والهشاشة التي تعرفها المدن والقرى المغربية.

وبعد مرور 11 عاماً على إعلان المبادرة، أنفق المغرب قرابة 30 مليار درهم مغربي (أكثر من ثلاثة مليارات دولار) على عشرات البرامج والمشاريع المختلفة التي ساهمت في خفض نسبة الفقر، حسب مسؤولي البرنامج الذي نفذ على مرحلتين.

ولكن الفقر في المغرب والفوارق الطبقية فيه ظلت تتصدّر المشهد العام في كثير من مناطقه، خاصّة القروية منها وهوامش الحواضر الكبرى.

كل ما أسمعه: زيادة في الأسعار

يحكي ربيع الدباغ، 32 عاماً، عن معاناته مع الفقر والحاجة. يعمل بالأجور اليومية لكسب قوت أسرته الصغيرة المكونة من طفلة في الخامسة من عمرها وزوجته، ويقول لموقع (إ رفع صوتك) "فقدت الأمل في إيجاد عمل مستقرّ يوفّر لي دخلاً محترماً يكفيني أنا وأسرتي".

"أعيش في منطقة نائية لا يعرفها إلا أهلها، حيث لا أحد يكترث بفقرنا ومعاناتنا". ويشرح ربيع قائلاً "فلا فرص عمل ولا مشاريع تخلق لنا فرص شغل لنحارب بها البطالة ونعيش الحياة ولو بأسط مقوماتها".

أما خديجة، 41 عاماً، فتقول "كل ما أسمعه في الشارع هو الزيادة في الأسعار، والارتفاع المهول في نفقات المعيشة".

تعيل خديجة أبناءها الأربعة وزوجها من عملها في الخياطة. وتضيف "لم أسمع بأي مساعدات أو أي مبادرات تستهدف الفقراء في بلدتي، نحن نعيش بما قدر لنا الله ولا ننتظر شيئا لأننا سئمنا الانتظار".

إتقاء ويلات الفقر

للحديث حول الفقر وآثاره الاجتماعية، أجرى موقع (إرفع صوتك) حواراً مع الدكتور علي الشعباني، الاختصاصي في علم الاجتماع، والذي يرى أن الأزمة لها جذورها التاريخية.

"الأزمات التي يعاني منها الشعب المغربي متجذرة في التاريخ المغربي، والمبادرة التي أطلقها عاهل البلاد كمحاولة للتقليص من نسبة الفقر التي تطغى في المغرب كانت مبادرة استباقية لما يمكن أن يسفر عنه ارتفاع التفاوت الاجتماعي في المغرب".

وعلى الرغم من أنّه يعتبر أنّ هذه المبادرات "سدّت بعض الفراغ وأنعشت بعض المؤسسات خاصة المرتبطة بالمجتمع المدني والعمل الاجتماعي التضامني"، غير أنّها "كسائر المبادرات التي عرفها المغرب غير كافية للحد من ظاهرة الفقر وما يرتبط منه من أزمات".

وعن كيفية تجاوز أزمة انتشار الفقر، يقول الشعباني "المغرب بحاجة إلى إرادة سياسية لإصلاح قطاعاته المالية والاقتصادية والبحث عن حلول جذرية وناجعة، خاصة في ملفات التوظيف والشغل، وإصلاح التعليم وإصلاح الإدارة".

ويختتم حديثه بالقول أن كل هذه الإجراءات يجب اتخاذها "من أجل اتقاء الويلات التي ينتجها الفقر".

*الصورة: أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مواطن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم/shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".