بقلم حسن عبّاس:

يقترح تقرير صادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، بعنوان "الطبقة الوسطى في البلدان العربية: قياسها ودورها في التغيير"، إشراك الطبقة الوسطى في رسم ملامح المستقبل للوصول إلى "مستقبل مختلف".

وينطلق في تحليله من اعتبار أن "الطبقة الوسطى تملك المفاتيح الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية للتحولات التي طال انتظارها، وأنها الكفيلة بتحقيق السلام والازدهار الحقيقيين".

الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية

كانت الحكومات العربية تعتمد على شراء ولاء شريحة واسعة من المواطنين من خلال تأمين إعانات لهم. ولكن برأي التقرير، لم يعد مواطنو الطبقة الوسطى اليوم بحاجة إلى "الصَدَقات" بل يريدون فرصاً للانخراط في الأعمال تمكِّنهم من النجاح من تلقاء نفسهم.

ويقترح معدّو التقرير تأمين حد أدنى من الحماية الاجتماعية الأساسية يشمل الرعاية الصحية الأساسية، إعانات الطفل الأساسية، إعانات البطالة والمعاشات التقاعدية. ويؤكدون أن "الحماية الاجتماعية مفيدة للنمو وتطلق دورة من التقدم الاجتماعي والاقتصادي"، محذرين من استخدامها "لشراء ذمم المؤيدين".

ويدعو التقرير إلى "دعم الفقراء والمعرضين للفقر". وبرأيه، "هذا ما يمكن تحقيقه من خلال تطبيق مفهوم الحد الأدنى للحماية الاجتماعية... وهذا لا يساهم في بناء السلام والاستقرار فحسب... بل قد يؤدي دوراً مهماً أيضاً في توسيع قاعدة الطبقة الوسطى".

ويوضح التقرير أن سياسة الحماية هذه تكلّف بين 4.6 - 9.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي كلفة غير باهظة، خاصةً إذا عرفنا أن متوسط الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية في البلدان العربية يبلغ حالياً ثمانية بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. إذاً المسألة هي في ترشيد الإنفاق.

خطوات في سبيل دولة إنمائية

السياسات الاقتصادية التي يقترحها التقرير تحوّل الدولة التي تتبنّاها إلى ما يُعرف بـ"الدولة الإنمائية".

وتعتمد هذه الدولة على رأس المال الخاص والملكية الخاصة، وتتعاون مع القطاع الخاص من أجل تحديد المشاريع التي تلتقي فيها دوافعه لتحقيق الأرباح مع الأهداف الإنمائية الوطنية.

وإذا اعتُمدت هذه السياسات، لن تحقق الدولة تمكين الطبقة الوسطى فحسب، بل ستفتح الطريق أمام الفقراء صعوداً على السلم الاجتماعي.

وهنا مجموعة سياسات يوصي بها التقرير:

ـ زيادة الاستثمار العام في تحسين مناخ الأعمال التجارية، وبالتالي استحداث المزيد من الوظائف. ويُقصد بالاستثمار العام نفقات الحكومة لبناء الهياكل الأساسية المادية، من قبيل الطرق والموانئ والمدارس والمستشفيات.

ـ إعادة توجيه الاستثمار العام، بحيث يتحوّل من التركيز على المشاريع الكبرى إلى المشاريع الصغيرة الحجم، ولا سيّما في المناطق الريفية.

ـ توجيه الاستثمارات نحو قطاعات منتجة وقادرة على خلق فرص عمل كثيرة. فحالياً، معظم الاستثمارات تتوجه نحو قطاعات لا تولّد الكثير من فرص العمل. ويُلاحظ أن نسبة 20 بالمئة من حجم الاستثمار التي توجّهت نحو أنشطة التصنيع نجحت في توليد أكثر من نصف فرص العمل المتأتية من الاستثمار الأجنبي المباشر.

ـ بدلاً من المشاريع العامة الكبيرة، يُستحسن اتخاذ مبادرات صغيرة قادرة على تحقيق التنمية، خصوصاً في المناطق الريفية. مع العلم أن المنطقة العربية تحتاج، لمواجهة مشكلة البطالة، إلى استحداث نحو 60 مليون فرصة عمل بحلول عام 2030.

ـ دعم الاستثمار العام للبحث والتطوير لتخفيف تكاليف الابتكار عن كاهل القطاع الخاص. ومن شأن دعم معاهد البحث والمؤسسات الأكاديمية وبرامج محدّدة للبحث في قطاع التكنولوجيا وتقديم المنح إلى مؤسسات البحث التابعة للقطاع الخاص، أن يعزز الابتكار.

ـ تحسين إمكانية الحصول على التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ـ التحكم بأسعار الصرف بفعالية عن طريق المصارف المركزية، من أجل تهيئة بيئة مؤازرة لاستحداث فرص العمل. ولا بد من صياغة سياسة مالية متوازنة وتوسعية من أجل التحكم في التضخم وحفز النمو نحو استحداث فرص العمل اللائقة.

ـ تشجيع التجارة في قطاع الخدمات، لأن البلدان النامية ستحقق مكاسب إضافية من تزايد التجارة في الخدمات، والتي تنمو أيضاً بوتيرة أسرع من التجارة في السلع.

ـ إلغاء إعانات الطاقة "لأن الأغنياء هم أكثر من يستفيد منها"، وتوجيه الدعم بشكل ينعكس إيجاباً على الفقراء.

ـ إصلاح النفقات العسكرية، وتوجيه حصة منها نحو التنويع الاقتصادي وسياسات الحماية الاجتماعية من أجل حفز النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة.

ـ إرساء نظام ضريبي تصاعدي يلقي على عاتق الفقراء والمعرضين للفقر أعباء ضريبية أقل. وينبغي التنبّه إلى أن الإيرادات الضريبية القليلة لا تكفي لتنفيذ السياسات العامة، والإيرادات الضريبية المرتفعة جداً يمكن أن تلحق الضرر بالمشاريع التجارية، وتضعف حوافز العمل.

ويحذر التقرير من أن أياً من التغييرات التي يقترحها لن يُكتب لها النجاح من دون إصلاحات سياسية.

فالدولة الإنمائية "تفترض وجود نظام للحكم قائم على المساءلة المتبادلة من خلال الحوار الاجتماعي والمشاركة السياسية".

الصورة: شركة سيارات رينو أنعشت توظيف الشباب في المغرب/ وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".