متابعة علي عبد الأمير:

يعيش العراق المعتمد كلياً على عوائد النفط في تسيير حياة مواطنيه، تحديداً منذ العام 2003، "تسونامي" حقيقي ممثلاً بأزمة اقتصادية وصلت حد التشكيك بقدرة حكومته على تأمين رواتب الموظفين خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

غير أن الحكومة العراقية ترفض مثل هذا التوقع، فيؤكد وزير نفطها عادل عبد المهدي أنّ "توفير السيولة ممكن"، مؤكداً، في مقال له على صفحته على "فيسبوك"، أن "لدى البلاد إمكانيات معقولة تسمح بتخفيف الأزمة"، موضحاً إياها:

* احتياطات البنك المركزي التي تتعدى الـ50 مليار دولار، رغم أن احتياطي البنك هو ليس ملكاً للحكومة، لكنه يمثل ضمانة لتحريك الاقتصاد.

* لدى مؤسسات الدولة حسابات مالية مودعة في المصارف بعشرات الترليونات من الدنانير.

* لدى المواطنين أوراق نقدية تتراوح بين 30-40 ترليون ديناراً.

* تمتلك الدولة موجودات بعشرات ومئات ترليونات الدنانير من موجودات عينية، وأصول عقارية، وأراض ومعامل عاطلة، وبنايات خربة وموجودات مهملة.

* يمكن للسياسة المالية من ضرائب وغيرها أن تساعد في توفير المزيد من الموارد للدولة بإجراءات ذكية لا ترهق المواطن، وتحرك الاقتصاد الأهلي.

* يمتلك العراق ثروة نفطية، واحتياطات كبيرة، وموارد طبيعية، وفرصاً استثمارية كبيرة.. وهذه كلها تشكل مغريات جاذبة، لإقراض العراق ومنحه التسهيلات اللازمة.

من جهته يرى الباحث العراقي نبراس الكاظمي أن "ساسة العراق سيستسهلون إلهاء جمهورهم المتحيّر بمشهد الانخفاض التدريجي لأسعار النفط عالمياً، ليُبعدوا عن أنفسهم مسؤولية وصول البلد إلى الصدمة المالية المقبلة".

ويستدرك "عملية الإلهاء هذه لن تسعفهم كثيراً مع إدراك المواطن لحجم المصاب، وانعكاساته العملية على حياته اليومية. وعليه، قد نتوقع من الحكومة أن تلجئ إلى حلول تعسفية، لا بد منها، إن وجدت الطبقة السياسية أن من مصلحتها رص الصفوف ومواجهة هذه الأزمة بصورة تكافلية وتضامنية لأن السخط الشعبي قد يهدد العملية السياسية برمتها".

الحلول حتى وإن كانت تعسفية؟

ويوضح الكاظمي في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن "من الحلول التعسفية والطارئة القليلة المتبقية لدى الحكومة، والتي بددت وقتاً طويلاً في العام الماضي في مسعى تهربها من مواجهة الواقع، هو التقاعد المبكر من جهة، وخصخصة الشركات النفطية الوطنية من جهة أخرى، بصورة تماثل ما قد تُقدم عليه المملكة العربية السعودية مع شركة أرامكو".

وبحسب بيانات اللجنة المالية، فإن "الحكومة تدفع مخصصات رواتب ومخصصات لحوالي 3.4 مليون موظف، يضاف إليهم حوالي 470 ألف موظف في الشركات العامة (عدد الخاسرة 113 منها مقابل 44 رابحة تتوزع على عدة وزارات). وإجمالي الإنفاق في عام 2015 لتغطية هذه المصاريف بلغ 41 ترليون دينار، يُضاف اليها 11 ترليون لرواتب المتقاعدين".

برنامج التقاعد المبكر للموظفين؟

ويعتقد الكاظمي "بكل بساطة، لن تستطيع الحكومة الإيفاء بالتزاماتها المالية أمام الرواتب والتقاعد في عام 2016، حتى وإن استنزفت 14 مليار دولار من خزين البنك المركزي كما صرّحت بذلك مؤخراً. بالتالي، ستقف الحكومة أمام خيارين: تخفيض المخصصات المضافة إلى الراتب الإسمي بنسبة 70 بالمئة واحتساب التخفيض ديناً تعوضه من خلال السندات، وهو أمر مستبعد بسبب ظرف الدين الداخلي والخارجي الحرج حالياً ( يبلغ 82.4 مليار دولار، حسب اللجنة المالية)، أو التخلص من عبء المخصصات من خلال فرض برنامج التقاعد المبكر لشريحة كبيرة من الموظفين، قد تصل إلى ثلثهم، وهو الأمر الأقرب إلى الواقع."

اجعلوا العراق وجهة الصين بدلا من السعودية

ويقرّ الكاظمي "فات الأوان لحلول استباقية (سبق وغيره أن نصحوا الحكومة العراقية تأسيس اقتصاد وطني واعد وعلى طريق معافى)، ولم يعد هناك سوى الحلول المؤلمة والتعسفية".موضحاً أن "الخيار الآخر لدى الحكومة هو الخصخصة، أي معالجة مسألة الشركات العامة غير الرابحة، والتي قد يبلغ عدد موظفيها حوالي 350 ألف موظف".

ولكن، يقول الكاظمي، "هذا خيار غير واقعي في المرحلة الراهنة لأن المستثمر الأجنبي، وكذلك المستثمر العراقي، لا تكمن لديهما السيولة، ولا حتى الرغبة، في شراء هذه الشركات المهترئة والمترهلة". مما قد يدفع الحكومة إلى اللجوء إلى "الخيار السعودي"، الذي تكلم فيه نائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى مجلة "الإيكونومست" في عددها الأخير، أي إلى خيار خصخصة الشركات النفطية الوطنية (مثلاً شركة نفط الشمال، شركة نفط البصرة، إلخ) وهو أمر قد يشجع الشركات النفطية العالمية على البقاء في السوق العراقي بالرغم من امتعاضها من تلكؤ العراق بدفع مستحقاتها حسب اتفاقيات الخدمة الموقعة مع وزارة النفط.

كما أن بيع هذه الشركات قد يغري رأس المال الصيني، الذي لا يزال مكتنزاً بالرغم من التباطؤ الاقتصادي في بلده، في القدوم إلى السوق النفطية العراقية بدلاً من السوق السعودية.

وفي المحصلة، يرمي الباحث الكاظمي بالكرة في ملعب الجمهور العراقي، ويقول "عليه أن يعي أن الأزمة المالية التي يواجهها ليست مرتبطة فقط بتقلبات أسعار النفط، وإنما المسؤولية الأولى تقع على كاهل الطاقم الحكومي السابق والحالي الذي لم يحتسب هذا الاحتمال، ولم يقم بدوره في التهيئة للسنوات العجاف، بل مضى في عملية الإسراف لغايات تشوبها الفساد في بعضها، ولغايات سياسية وانتخابية في أغلبها، مثلاً في توسيع الجهاز البيروقراطي. بل حتى وصل به النزق إلى عدم تقديم موازنة لسنة 2014 (آخر سنوات "البحبوحة" المالية) وتم صرف 112.2 ترليون دينار عراقي (إضافة إلى 14.9 ترليون سلف جارية واستثمارية) خارج الآليات القانونية والدستورية".

الصورة: جانب من أحد أنابيب النفط في البصرة/ وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".