بغداد – بقلم ملاك أحمد:
لا تملك (أم علي) بيتاً وإنما غرفة واحدة معتمة ومحاطة بالمياه الآسنة، سقفها من بقايا أقمشة بالية وقطع من الصفيح المعدني، وتضطر للعمل في مصنع للطابوق، ولساعات طويلة، في أطراف بغداد.
“منذ خمسة أعوام وهذا حالي، أعمل هنا في صناعة الطابوق" تقول أم علي، وهي أرملة في الثلاثين من عمرها. "أدركت إنه الحل الوحيد لإعالة صغاري الأربعة، أكبرهم في العاشرة من عمره، بعد أن قتل زوجي سنة 2006 “.
"يحق للعاملات وجبة طعام واحدة في اليوم"، تضيف أم علي واصفة طبيعة عملهن، "ونحمل كميات كبيرة من الطابوق سيراً على الأقدام خلال مراحل تصنيع الطابوق يدوياً".
تعمل النساء لساعات طويلة في هذه المعامل مقابل أجور زهيدة. فالعاملات اللواتي يعملن لـ 12 ساعة في اليوم يتقاضين 58 دولاراً أسبوعياً (65 ألف دينار عراقي).
أما اللواتي يعملن لفترات أطول فيتقاضين 90 دولاراً في الأسبوع (100 ألف دينار).
وينتشر على أطراف العاصمة بغداد والمحافظات القريبة منها العشرات من معامل صغيرة لصناعة الطابوق، وأغلب الأيدي العاملة فيها من النساء والفتيات الصغيرات.
مطلقة ويتيمة الابوين
"أسعى للحصول على إعانة الرعاية بصفتي مطلّقة ويتيمة الأبوين ولا معيل لي" تقول وسن كريم، 19 سنة، لكنها تضيف بحسرة "ولكن دون جدوى".
وسن مسؤولة عن إعالة إخوتها الثلاثة بعد وفاة والديها. كان الزواج وسيلتها للخلاص من ظروف العمل الصعبة والمسؤوليات الكبيرة عليها، إلا أن زواجها انتهى بالطلاق.
"بعد ثلاثة أشهر من زواجي، طُردتُ من البيت بسبب مشكلة حدثت بيني وبين والدة زوجي، والتي كانت تعاملني بطريقة سيئة وتعاقبني باستمرار. ورغم كل محاولات الإصلاح من طرف الأقارب والمعارف، إلا أنّ والدته كانت ترفض دائماً وبشدّة حتى طلقني".
وتتهم وسن، مديرية الرعاية الاجتماعية بتجاهل معاناتها لأنها لا تقوى على دفع الرشى لموظفيها لاستكمال معاملتها .
"كل مرة أتداين أجرة السيارة لغرض مراجعة مقر دائرة الرعاية الاجتماعية ومتابعة إجراءات المعاملة"، تكمل وسن حديثها عن رحلاتها المتكررة التي بدأت من العام 2013 للحصول على الإعانة الحكومية. وتضيف "لكنها كالعادة تؤجل بحجة الروتين والزخم الكبير في استحصال الموافقات".
اضطررت للعمل رغم كبر سني
ولا تختلف معاناة الحاجة خديجة صالح عما تعانيه النساء الأصغر عمراً من الفقر والحرمان وعدم قدرتها على توفير دخل يومي يكفيها، رغم أنها تستلم معونة الرعاية الاجتماعية، التي تقول عنها "لا تكفينا المعونة لأسبوع واحد، لذا اضطررت للعمل رغم كبر سني وسوء حالتي الصحية".
وتقول خديجة أنها تستلم ما يعادل 95 دولاراً أميركياً شهرياً كمعونات من الحكومة العراقية.
الحاجة خديجة اتخذت مكاناً لها على رصيف في شارع الرصافي وسط بغداد لبيع السجائر.
وتضيف في حديث لموقع (إرفع صوتك) "بقيت وحيدة بعد مقتل ابني، وكان عليّ تدبُّر معيشة أطفاله الخمسة بأي طريقة، وخاصة بعد أن تركتهم والدتهم وتزوجت".
وزارة التخطيط والإنماء العراقية
وتشير إحصائيات وزارة التخطيط والإنماء العراقية إلى ارتفاع نسب الفقر في البلاد بشكل يبعث على القلق. ويقول عبد الزهرة الهنداوي، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، "نسب الفقر قد ارتفعت إلى 30 بالمئة".
ويرجع الهنداوي هذه الزيادة إلى "أحداث العام 2014 واحتلال بعض المدن العراقية من تنظيم داعش والعمليات العسكرية وتهجير ونزوح الملايين من سكانها".
دون خط الفقر
الجهة المسؤولة عن الإشراف على توزيع المعونات الحكومية لمستحقيها من الفقراء هي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن طريق برنامج شبكة الحماية الاجتماعية. وتقول الوزارة أنها بدأت بإصلاحات تتعلق بمحورين.
الأول: زيادة قيمة المنح الشهرية لمستحقيها.
الثاني: الحد من الفساد المالي والإداري في الوزارة.
المتحدث باسم الوزارة عمّار منعم قال في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن الوزارة قامت بـ "نقل الكثير من الموظفين ومعاقبتهم بعد أن ثبت بالأدلة أنهم كانوا يبتزون الناس".
ويقول منعم إن الوزارة تحاول استبعاد من يستلم معونات وهو لا يستحقها. وكشف لموقع (إرفع صوتك) أن أكثر من 16,000 حالة تم اكتشافها لمكتفين مادياً أو موظفين حكوميين، وتم استبعادهم من البرنامج. وأردف منعم أن الوزارة تسعى لرفع قيمة المعونات الشهرية وتسريع المعاملات المتأخرة لمستحقيها.
*الصورة:1 نساء يعملن في معامل الطابوق / إرفع صوتك
*الصورة: ا2لحاجة خديجة صالح تضطر للعمل بعد وفاة إبنها/ إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659