مصر – بقلم الجندي داع الإنصاف:

لم تكن دوافع ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير عام 2011، سياسية فقط. بل كانت الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية من أهمّ محركاتها.

ويمكن أن نلاحظ هذا الأمر ببساطة من خلال قراءة الشعارات التي رفعها المتظاهرون حينها، والمتمثلة في (عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامه إنسانية).

والمتأمل لهذه الشعارات يرى أن الفقر في حد ذاته لا يؤدي إلى الثورات، لكنّ الخلل في توزيع ثروات الأوطان ومواردها على المجتمع هو ما يحرك الغضب في الصدور والذي يتحول، مع مرور الوقت وكثرة الضغوط إلى يأس يرى في الثورات سبيلاً للخلاص.

التوزيع الطبقي في مصر

يرجع غياب العدالة الاجتماعية في مصر إلى عقود طيلة خلت. وربما بدأت في العصر الحديث بما يعرف بظهور مفهوم السادة والعبيد في عصر أسرة محمد علي، حيث امتلكت فئة قليلة معظم موارد الدولة وصاروا هم السادة الأغنياء. وأصبحت الغالبية من المصريين عبيداً يعملون لدى "السادة" لكسب قوت يومهم بالكاد. إلى أن جاءت ثورة تموز/يوليو 1952 لتشهد محاولة من الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر لتحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية من خلال ما عرف وقتها بقانون الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي الزراعية بنسب شبه متساوية على الفلاحين.

لكن هذه المحاولة لم تدم كثيراً، فقد عاد الإقطاع للظهور مرة أخرى بأشكال وصور مختلفة. إلى أن جاءت فكرة ما يعرف بالانفتاح الاقتصادي في عصر الرئيس الأسبق أنور السادات، ليظهر مفهوم الطبقات ولتعلو طبقة فوق طبقات المجتمع الأخرى عبر تجارة ومشروعات كانت في غالبها لا تعود بفائدة على الاقتصاد المصري، إنّما على الأفراد.

ومن ثم بدأت تتآكل الطبقة المتوسطة وانقسم المجتمع إلى طبقة غنية تسيطر على معظم الثروات، وهي تساوي حوالي 9.3 بالمئة، وتشارك الطبقة الفقيرة التي تشكل 90.7 بالمئة في الدعم الذي تقدمه الدولة وتنفق عليه حوالي ربع ميزانيتها السنوية وحوالي 9.5 بالمئة من ناتجها القومي.

غياب العدالة الاجتماعية

ويرى الدكتور عماد مهنا، أستاذ التخطيط الاستراتيجي والاقتصاد السياسي، أن "توزيع خريطة الفقر في مصر دليل على غياب العدالة الاجتماعية، حيث يتوزع الفقراء والمعدمون على المحافظات الحدودية ومحافظات الجنوب (الصعيد) وبعض محافظات الدلتا كالمنوفية والدقهلية والشرقية".

وبالتالي ووفقاً لرأي الدكتور مهنا في حديثه لموقع (إرفع صوتك) "فإنّ هذه المناطق تحتاج لمزيد من الاهتمام والرعاية".

نسبة الفقر إلى تزايد

أما الأستاذ سالم وهبي، رئيس جمعية الصحافيين الاقتصاديين، فيقول لموقع (إرفع صوتك)  إنّ "نسبة الفقر في مصر ازدادت لتصل إلى حوالي 30 بالمئة وفقاً للإحصائيات، فيما يرى الخبراء أنها تعدّت الأربعين بالمئة". ويؤكد حاجة المجتمع للتنمية الحقيقية.

يتطلب تحقيق العدالة الاجتماعية في مصر، وفقاً لآراء الكثير من الخبراء، إلى عدة أمور منها مواجهة الزيادة السكانية المضطردة، ومواجهة الفقر، والاهتمام بالمحافظات الأكثر فقراً، والقضاء على الفساد الضارب في جسد مؤسسات الدولة، وتطبيق المنظومة القانونية على الفاسدين دون تمييز، والقضاء على البطالة. فضلاً عن إصلاح منظومتي التعليم والصحة والاهتمام بالبحث العلمي، وجميعها مرتكزات رئيسة لتحقيق تقدم الدول.

لا تحسن اقتصادي

لؤي حمودة، مواطن مصري ميسور الحال، يقطن حي مدينة نصر، وهو من الأحياء ذات الدخول المرتفعة، قال لموقع (إرفع صوتك) إن "المواطن البسيط لا يشعر بأي تحسّن اقتصادي ويعاني من غياب عدالة توزيع الثروات".

في حين يقول أمير عطا الذي يسكن بحي الوايلي لموقع (إرفع صوتك ) إنّ "دخل الفرد لا يكفي لسد احتياجاته اليومية خاصة في ظل ارتفاع الأسعار".

[soundcloud url="https://api.soundcloud.com/tracks/242144099?secret_token=s-QkOUC" params="color=ff5500&auto_play=false&hide_related=false&show_comments=true&show_user=true&show_reposts=false" width="100%" height="166" iframe="true

*الصورة: مصرية تحمل اسطوانة غاز/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".