بقلم علي عبد الأمير:
يرى الباحث والأكاديمي الإقتصادي الجزائري الدكتور كمال رزيق أن حكومة بلاده، كسائر حكومات الدول المعتمدة على النفط، تواجه مشاكل جمة جراء إنهيار أسعار النفط، وذلك لإعتمادها على الخام في تمويل الموازنة العامة وتنفيذ الخطط التنموية. ومع غياب مثل هذه الإمكانية مع التدهور السريع والكبير لإسعار النفط، فإن أي حديث عن تمويل الموازنة العامة وتنفيذ الخطط التنموية يصبح غير ممكن عمليا، وهو ما يعنيه دخول البلاد في مرحلة تتطلب تغييرا في كل المفاهيم.
إخراج النفط من المعادلة
يؤكد رزيق في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) على ما يسميه "إخراج النفط من المعادلة"، بحيث لا يكون هو العمود الوحيد الذي يقام عليه البناء الإقتصادي. ويقول "يتوفر الآن للحكومة الجزائرية هامش المناورة عبر فائض مالي يبلغ 210 مليارات دولار. ومع أنها صرفت خلال العامين 2014و2015 نحو 60 مليار لردم الهوة التي أحدثها إنخفاض أسعار النفط، فيظل لديها 150 مليار دولار. ولكن الإستمرار بتمويل العجز في الموازنة وإبقاء المشروعات العامة على قيد الحياة من خلال الفائض لا يمكن أن يتواصل. ولا بد من تغييرات جذرية".
ويشير الباحث الإقتصادي إلى أن الحكومة الجزائرية اتخذت عددا من الإصلاحات الجوهرية التي يراها أساسية لتغيير بنية الإقتصاد الأحادية، أي المعتمدة على النفط. لافتا إلى إيلاء القطاع الخاص أهمية قصوى. فبعد أن بلغت مساحات النشاط لهذا القطاع نحو 15 ألف هكتار منذ إستقلال الجزائر حتى وقت قريب عادة، حسب قول رزيق، خصصت الحكومة نحو 12 ألف هكتار لهذا القطاع في عامي 2015 و 2016. "وهذا مؤشر بارز على طريقة تفكير جديدة، قد تعطي ديناميكية جديدة. وقد يكون وراء هذه الطريقة وزير الصناعة والمناجم الحالي عبدالسلام بوشوارب، فهو مقاول ورجل أعمال فضلا عن كونه وزير صناعة سابق ويعرف تماما ما يعانيه قطاع المقاولات والصناعة في الجزائر وما يحتاجه كي يبدو منتجا".
ويبدو أن أجراس الخطر لا يقرعها الباحثون والمراقبون والخبراء فقط في الجزائر، بل حتى المسؤولين الحكوميين. فوزير المال عبد الرحمن بن خالفة يقول في ندوة حول قانون المالية 2016 إن "وتيرة هبوط سعر النفط لم تكن منتظرة، ما يجعل من سنة 2016 صعبة إقتصاديا وواعدة إصلاحيا." مؤكدا "لا أخفي عليكم.. الظرف صعب".
ومن الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة تحت باب الإصلاحات رفع أسعار بعض المواد المدعمة بتقريب سعر الإستهلاك من تكلفة الإنتاج. ورفع سعر الكهرباء والغاز لاحقا يندرج ضمن هذا المسعى، بحسب الوزير بن خالفة الذي يشدد على أن "وتيرة النمو الإقتصادي يجب أن تبقى رغم تدهور سعر البترول. ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي رفع المداخيل من خارج البترول بتوسيع الوعاء الضريبي".
لكن الجانب الإصلاحي المتمثل بتغيير السياسة المالية، يصطدم بواقع يقول عنه الوزير "أعرف أن البنوك ثقيلة لكنها آمنة. والأموال غير مؤتمنة إلا في عقر دارها بعد تشديد الرقابة على تبييض الأموال في الخارج".
وعن هذا الجانب، يقول الباحث الإقتصادي كمال رزيق إن هناك حاجة ماسة لتغيير نهج العمل المصرفي في الجزائر. "فهناك ستة مصارف عمومية ولكنها تتصرف ببطء، رغم الحاجة الماسة لتحريك الجوانب الإنتاجية المحلية في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة، ناهيك عن غياب النشاط المهم الذي تمثله الصيرفة الإسلامية، الناشطة في بلدان أوروبية بينهما تغيب عن بلد مسلم مثل الجزائر".
وعلى الرغم من إقرار الحكومة والوسط الإقتصادي الأكاديمي بضعف السياسة المالية وخمولها في الجزائر، إلا أن رزيق يقول إن الوضع ما يزال يميل إلى الجانب الإيجابي، موضحا "تقديرات الحكومة بتحقيق النمو الإقتصادي في العام 2016 وبنسبة تبلغ 4 بالمئة هي ذاتها تقريبا (3.8 بالمئة) التي أشار اليها (صندوق النقد الدولي) في تقريره حول الوضع الإقتصادي في الجزائر".
وبحسب تقرير لـ (وكالة الصحافة الفرنسية) فإنه "منذ الليلة الأولى لسنة 2016، شعر الجزائريون أن عليهم أن يراجعوا موازنتهم العائلية لمواجهة الارتفاع في الأسعار، خصوصاً بعدما أدركوا أن أسعار الوقود مثلاً ارتفعت بنسب وصلت إلى 40 في المئة.
وبدأت تداعيات ذلك تظهر على القطاعات المرتبطة مباشرة بالوقود، مثل النقل. وعلى رغم أن الحكومة أعلنت أنه لن يكون هناك تغيير في تسعيرة النقل، إلا أن سائقي سيارات الأجرة وحافلات نقل المسافرين سارعوا إلى المطالبة بالتعويض، وبعضهم رفع تسعيرته من دون انتظار موافقة وزارة النقل.
وخلال بضعة أشهر، انخفضت قيمة العملة الجزائرية من 99 ديناراً مقابل يورو واحد إلى 117 ديناراً. ويقول الخبير رزيق "بما أننا نستورد كل شيء، فإن النتيجة ستكون ارتفاع أسعار كل السلع".
وفي السوق الموازية التي تحدّد فعلياً، بالنسبة الى الجزائريين، قيمة العملة بسبب عدم وجود مكاتب صرف رسمية، بلغ سعر اليورو 180 ديناراً جزائرياً.
وفي هذا الصدد يقول الباحث الدكتور رزيق إن مجموعة من الإجراءات التي إتخذتها الحكومة مؤخرا، يمكن أن تصحح بعض هذا الخلل، "حيث بدأت تفرض رقابة على الإستيراد الذي عانى مطولا من عشوائية وغياب للرقابة، فضلا عن فرض رسوم جمركية أكبر مما يوفر حماية للمنتج المحلي".
كما يلفت الدكتور رزيق الى أن إنخفاض أسعار النفط وما يتركه من آثار وتحديات على البلاد وموازنتها ومواردها المالية، "يوجب بالمقابل مراجعة حقيقية لإنماط من الإستهلاك. فثمة التبذير من جهة المواطنين في استخدام الطاقة والمياه والغذاء والدواء. وهذه كلها سلع وخدمات مدعومة من قبل الدولة التي تنفق الكثير عليها، فيما يبدو رفع أسعارها خطوة صحيحة لترشيد الإستهلاك".
*الصورة: خلال بضعة أشهر، انخفضت قيمة العملة الجزائرية من 99 ديناراً مقابل يورو واحد إلى 117 ديناراً/shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659