المغرب – إرفع صوتك:
غالباً ما تأتي البلدان العربية في المراتب المتدنية لمؤشرات التنمية البشرية التي تصدرها منظمات الأمم المتحدة. وإذ لا تتّخذ هذه الدول خطوات جذرية وجدّية للنهوض بأوضاع مواطنيها والتخفيف من معاناتهم مع الفقر والبطالة، تضخ بالمقابل مليارات الدولارات سنويا في صناديق الإنفاق العسكري.
وتشير الإحصائيات المتعلقة بحجم الأموال التي ترصدها الحكومات العربية للتسلح إلى نسب مرتفعة، خاصّة خلال السنوات الأخيرة مع بروز التهديدات الإرهابية، والتطور الهائل الذي يعرفه ميدان التكنولوجيا العسكرية.
وفي هذا الصدد، قدّر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، والذي يُعنى بدراسة الإنفاق العسكري العالمي حجم الإنفاق العربي على التسلّح بما يناهز 196 مليار دولار خلال سنة 2014. وتتربع السعودية على قائمة أكثر الدول العربية إنفاقاً على التسلح، بقيمة 80 مليار دولار خلال 2014.
المغرب والجزائر السلاح قبل والتنمية
ووفق بيانات المعهد المتعلقة بالفترة الممتدة بين 2010 و2014، يحتلّ المغرب المرتبة الثانية في أفريقيا، بعد الجزائر من حيث استيراد الأسلحة. وخصّصت الحكومة المغربية الحالية ما يناهز 5,6 مليار دولار ميزانية للمؤسسة العسكرية خلال سنة 2015، أي ما يقارب نسبة 5 بالمئة من صافي الناتج الداخلي. فيما تشير بيانات البنك الدولي المتعلقة بالإنفاق العسكري من حيث الناتج الداخلي إلى نسبة 3,7 بالمئة ما بين 2011 و2015.
ولا تخضع ميزانية المؤسّسة العسكرية في المغرب للنقاش في البرلمان، إذ تتمّ المصادقة عليها بالإجماع كل سنة. ويغيب الحديث عنها عن الدوائر السياسية أو الصحافة نظراً لحساسية الموضوع وارتباطه بالأمن القومي المغربي الذي يبقى خطاً أحمر لا ترغب السلطات الخوض في تفاصليه.
وعمّا إذا كانت الميزانية المرتفعة التي تخصّص للمؤسسة العسكرية في المغرب تؤثر على التنمية في البلاد، يقول عبد الرحيم العلام، الباحث والمحلل المغربي في العلوم السياسية، "الصراع الذي تدخل فيه بعض الدول العربية بين بعضها البعض يدفعها إلى إنفاق الأموال الطائلة في سباقها على التسلّح، ومن ضمن ذلك الصراع المغربي الجزائري. إذ يخصص البلدان أموالا طائلة لتكديس الأسلحة بغية استخدامها مستقبلاً. كما أن ميزانية التسليح في المغرب تأتي في المرتبة الثانية بعد التعليم".
التسلّح من أجل التسلّح
يوضح العلام "لا يمكن الحديث عن علاقة تناسبية بين ارتفاع نفقات التسليح وارتفاع معدلات الفقر في الدول العربية. ذلك أنّ عدة دول غربية تنفق الأموال الطائلة على هذا الجانب، في حين قد توجد فيها نسبة فقر جدّ متدنية".
وبحسب العلام، فإن الإشكال في هذه المعادلة يقع بسبب اختلال تحديد الأولويات. "فالغرب حينما ينفق على التسلّح يكون ذلك لأهداف ويحقق لها نتيجة، على عكس البلدان العربية - والمغرب ضمناً - التي تنفق على التسلّح فقط من أجل التسلّح".
ويشير العلام في هذا الصدد إلى أنّ ميزانية الإنفاق العسكري تفوق ميزانية الصحة بثلاثة أضعاف، كما تشكّل حوالي ضعف الميزانيات المخصّصة لقطاعات مهمّة أخرى. ويذهب جزء كبير من ميزانية المغرب العسكرية للأجور، من دون أن تكون هناك مهام فاعلة ومجدية للعاملين في القطاع. لكنّ المحلّل المغربي يؤكّد أن بلاده بدأت في الفترة الأخيرة المشاركة في تجريدات وتحالفات خارجية "في محاولة للتخفيف من عبء ميزانية التسلّح".
وكان تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) قد أشار إلى أن الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية أثرت بشكل كبير حجم الإنفاق على التنمية البشرية والبحوث. إذ ركزت الحكومات العربية على تعزيز قدراتها الأمنية والعسكرية لمواجهة التهديدات الإرهابية الفعلية والمفترضة، وذلك رغم ضعف ميزانيات بعض هذه الحكومات.
ويضيف العلام "الدولة التي لا تهدّدها أخطار كبيرة ليست بحاجة إلى إنفاق أموال كثيرة على التسلّح. والمغرب لا تهدّده أخطار كبيرة. وإذا ما قدّرنا حجم التهديدات، نجد أنّ الجماعات الإرهابية و"جبهة البوليساريو" لا تطرح خطراً كبيراً على المغرب، وترسانتها العسكرية تبقى ضعيفة مقارنة مع حجم المغرب. وبالتالي كان الأجدر الانفاق على قطاعات أخرى تحقق تنمية في البلاد مثل القطاع الصحي والتعليم وباقي القطاعات الحيوية الأخرى".
*الصورة: "الدولة التي لا تهددها أخطار كبيرة ليست بحاجة إلى إنفاق أموال كثيرة على التسلّح"/shutterstock
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659