بقلم جنى فواز الحسن:

"أعيش بالتجاوز هنا. أعيش بالتجاوز"، هكذا تبادر أم حسنين بالقول عند سؤالها عن أحوالها المالية والمعيشية. تقطن المرأة الأربعينية في ما يُعرف بالعشوائيات في بغداد، وهي أبنية مخالفة للتخطيط الحكومي وقد انتشرت إثر الحروب المتتالية في العراق.

أم حسنين أرملة وأمّ لطفلين، أحدهما في عامه الثاني عشر والآخر في عامه السابع. "أنا لا أعرف أن أقرأ ولا أن أكتب"، تقول المرأة عبر الهاتف في حديثها لموقع (إرفع صوتك). وتردّد العبارة بنفس الوتيرة كأنّها تدندن من خلالها لحن الأسى.

لم تذهب أم حسنين إلى المدرسة في صغرها وقد عاشت الفقر في منزل والديها في بغداد ليلحق بها العوز أثناء الزواج وبعد مقتل زوجها. تقول إنّ والدتها كانت تتحدّث عن الفقر كأنّه قدر تتوارثه عائلتها من دون أمل بالهرب منه.

بعد تأزّم الأوضاع في العراق، ساءت أحوال زوجها المادية التي لم تكن مستقرّة كثيراً. ثم لقي حتفه في أحد التفجيرات في بغداد قبل خمس سنوات، لتجد نفسها ليس فقط فقيرة، بل أيضاً معيلة.

أم حسنين لا تعمل ولا تمتهن أي حرفة، عدا عن تنظيف منازل بعض العائلات بين فترة وأخرى حين يستدعونها. وهي، بدل أن تناشد الحكومة لمساعدتها كما درجت العادة، تبدو مستسلمة لقدرها ومكتفية بترديد لازمتها "أعيش بالتجاوز ولا أعرف أن أقرأ وأكتب".

لم أذهب يوماً إلى صالون تجميل

رقيّة نموذج آخر عن نساء يولدن كأنّهن خارج إطار الزمن الحالي، بعيداً عن ضجيج الموضة والنساء الأنيقات اللواتي يظهرن على شاشات التلفزة. الفقر بالنسبة لها أيضاً ليس عبئاً على قدر ما هو "عادة" باتت ركيزة حياتها.

تعيش رقيّة اللبنانية في حي البلاط ببلدة المنية في قضاء المنية – الضنية، شمال لبنان، حيث تعمل بالتنظيف في إحدى المدارس براتب لا يكفيها وعائلتها. تقول إنّ زوجها لا يتمكّن من العمل لأسباب صحية من دون أن تستفيض في شرح هذه الأسباب. وتضيف "طموحي حالياً هو جمع القليل من المال لبناء مطبخ ملحق بالبيت حيث أقطن. لا نملك مطبخاً الآن. أريد كذلك شراء بعض المفروشات".

رقيّة بجهدها تمكّنت من إتمام المنزل الذي بنته على قطعة أرض لأهل زوجها. همّها تأمين القوت اليومي لعائلتها وتشير إلى أنّه "ليس لدي الوقت حتى لأفكّر بالفقر".

"لا أستطيع أن أشعر بالأسى على حياتي لأنّ الحزن قد يدمّرني وهو ليس خياراً. لدي تلفزيون صغير في المنزل ونشاهد بعض المحطات ونعم لا أشعر أنّي جزء من العالم الخارجي أي العالم خارج المنزل والمدرسة. لم أذهب يوماً إلى مصفّف الشعر أو صالون تجميل طوال أعوامي الأربعين، ولا حتى يوم زفافي حين لم أكن بعد أرتدي الحجاب".

الزعتر والخبز المبلول بالمياه

الفقر في العالم العربي لا يرحم النساء ولا الرجال، وتبلغ حدّته درجات يصعب على الإنسان تصوّرها من دون أن يتأثّر.

تروي صالحة ناصر، وهي ناشطة اجتماعية، يوميات عائلة فقيرة في مدينة خلدة الساحلية، جنوب بيروت، وتقول "أذكر أنّ هذه العائلة بقيت أولى أيّام شهر رمضان تتناول الزعتر والخبز المبلول بالمياه على مائدة الإفطار إلى أن علمنا بحالهم وتمكّنا من مساعدتهم. كان كبرياؤهم أكبر من فقرهم ولم يتكلموا، علمنا بحالهم عن طريق الصدفة".

الفقر بين الرجل والمرأة

عملت صالحة في مشروع يرمي إلى تعليم النساء اللغة الإنجليزية في الضواحي والأماكن الفقيرة نسبياً. وتتحدّث عن الفقر في حياة المرأة قائلة إنّ "المرأة ربما نتيجة الحمل والولادة لديها صبر أكبر من الرجل".

وتضيف "هناك نساء لديهن قدرة رهيبة على المواجهة، لكن الرجل لديه ثبات معنوي أكبر كون المجتمعات الشرقية تقوم على قوامة الرجل على المرأة، خاصّةً في المجتمعات الفقيرة، لذا يجد الرجل الفقير مكاناً داخل منزله أحياناً لتعزيز قيمة معنوية أو سلطة يفتقدها في الخارج".

وتؤكّد أنّه لا يمكن التعميم بجميع الأحوال "لأنّ بعض الرجال يشعرون بالانكسار إزاء ضيق الأوضاع المادية وعدم قدرتهم على تلبية متطلبات العائلة".

"المرأة كذلك تختلف قدرتها على التحمل واندفاعها بحسب تنشئتها وإن كانت محطّمة كلياً جراء التربية في منزل ذويها أن إن كانت ثقتها بنفسها معزّزة. والمؤكّد أنّ الفقر يؤثّر على الجميع، نساءً ورجال".

*الصورة: "أعيش بالتجاوز ولا أعرف أن أقرأ وأكتب"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.