بقلم علي قيس:

تجاوزت نسبة الفقر في قطاع غزة بفلسطين نهاية عام 2015 نسبة الـ 60 بالمئة، حسب إحصائية للبنك الدولي، فيما توقعت منظمة أممية أن تكون غزة غير صالحة للعيش البشري بحلول عام 2020، في حال استمرار عوامل الفقر وانعدام التنمية.

وبيّن التقرير الصادر عن البنك الدولي أن أكثر من 40 بالمئة من سكان القطاع يعيشون في فقر مدقع، فيما بلغت نسبة البطالة فيه 43 بالمئة، أي ما يزيد عن 200 ألف عاطل عن العمل، أكثر من نصفهم، من الشباب.

غير صالحة للعيش البشري

في تقرير لها، حذر مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من أن قطاع غزة قد يصبح غير صالح للعيش البشري بعد أربع سنوات، وبين التقرير أن نسبة انعدام الأمن الغذائي في القطاع بلغت 72 بالمئة.

وقال التقرير أن السبب يعود إلى توقف برامج التنمية وتراجعها، فضلاً عن ثماني سنوات من الحصار الاقتصادي وثلاث عمليات عسكرية خلال الست سنوات الماضية، نتج عنها الكثير من الدمار والمهجرين داخل القطاع.

الخبير الاقتصادي ومسؤول الإعلام في غرفة تجارة وصناعة غزة، ماهر الطبّاع، قال في حديث لموقع (إرفع صوتك) إن "الأوضاع الاقتصادية السيئة في القطاع سببها استمرار الحصار الإسرائيلي الذي تجاوز عامه التاسع، إضافة إلى تعثّر عملية إعمار قطاع غزة وإغلاق المعابر التجارية".

وقال طبّاع إن تعرّض القطاع لثلاثة حروب أدّى إلى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في القطاع وانتقد "الصمت الدولي إزاء الأوضاع في غزة".

ولا يُغفل طبّاع دور القوى السياسية الفلسطينية في هذه الأزمة، حيث حمّلها "جزءاً كبيراً من مسؤولية الأزمات التي يشهدها القطاع، سواء الاقتصادية أو الصحية أو البيئية أو الخدماتية، كون تلك القوى لم تلتزم ببنود الوفاق الوطني الذي تشكلت على أساسه الحكومة قبل عامين، وانشغلت بانشقاقاتها السياسية وأهملت الجانب الخدمي".

في اتساع مستمر

"تشكلت طبقتان في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة" بحسب الصحافية الفلسطينية سامية الزبيدي، والتي أضافت "الطبقة الأولى غنية تتمتع بامتيازات واسعة وتضم المتحكمين بالقرار السياسي، وهم عادة لا يهتمون بالواقع الصعب الذي يعيشه أبناء القطاع، كما أنهم يتمتعون بحصة كبيرة من الموارد الموجودة في غزة". وتضيف "أما الطبقة الثانية فهي الفقيرة وللأسف، هي في اتساع مستمر".

وحول ردود أفعال المواطنين في القطاع أوضحت الزبيدي في حديثها لموقع (إرفع صوتك) أنّ "الاعتراض الخافت أخذ شكل المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن بعض الاحتجاجات البسيطة داخل المخيمات الفلسطينية".

وأشارت الزبيدي إلى أنّ الاحتجاجات لم تصل إلى درجة الخروج بمظاهرات جماعية. وقالت إن السبب يكمن في انقسام الشارع الفلسطيني سياسياً، فضلاً عن "انشغال المجتمع الدولي بالأحداث الأمنية والسياسية التي يشهدها الوطن العربي، وبالتالي لن يعير أهمية للاحتجاجات الشعبية".

وتوقعت الصحافية الفلسطينية عدم استمرار الصمت الشعبي لفترة طويلة، "كون هذا الصمت سببه الانقسام السياسي وليس التخوف من الحكومتين الفلسطينية أو الإسرائيلية".

الفقر يهدد سلوك المجتمع

الناشطة في مجال حقوق المرأة حنان ظاهر أكّدت في حديث لموقع (إرفع صوتك) أنّ نسبة السرقة من قبل النساء سجّلت تصاعداً خلال الفترة الأخيرة.

وقالت لموقع (إرفع صوتك) أنّها ومن خلال عملها مع مراكز الإصلاح في السجون، وجدت أن نسبة السرقة لدى النساء زادت كثيراً وأن "قيمة الأشياء المسروقة بسيطة لتوفير لقمة العيش".

وتشهد غزة زيادة في ظاهرة التسول لدى النساء، التي تعلق عليها حنان بالقول "وعند حديثي معهن أجد أن الأسباب وراء التسول أو السرقة تكمن في الوضع الاقتصادي الصعب".

المواطن جمال أبو القمطة من أهالي غزة، وصف الوضع في القطاع بـ"البائس جداً".

وقال لموقع (إرفع صوتك) إن "الفقر مدقع داخل البيوت، وهذا سيذهب بسلوك المجتمع إلى مرحلة سيئة. بدأنا نشهد ظواهر غريبة: نساء تتسول في الشوارع وأخريات يلجأن إلى مكاتب الشركات لطلب العمل بأي صيغة وأي شكل".

وأضاف "نسبة السرقة زادت كذلك، لكن هناك تعتيم إعلامي من قبل الحكومة".

*الصورة: "الحكومة انشغلت بانشقاقاتها السياسية وأهملت الجانب الخدمي"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".